هذا ، ولو أنكرنا الإرادة الثانية لما يصدق على الصادر منّا أ نّه فعل اختياري .
وما أفاده : من أنّ الإرادة لاتنفكّ عن المراد لاينطبق إلاّ على الثانية من الإرادتين مع تعلّقها بتحريكها فعلا .
ولا تتوهّم من ذلك : أنّ هذا تخصيص في القاعدة العقلية ، بل وجه عدم الانفكاك هنا دون غيره هو أنّ بروز الإرادة في النفس لتحريكها فعلا إنّما يكشف عن عدم المزاحم في تحريك العضلات بالفعل ، ولكن الإرادة المتعلّقة بالمراد بالذات هي تابعة لكيفية تعلّقها بالمراد .
فإن تعلّقت بإيجادها فوراً فلا محالة تحصل هنا إرادة اُخرى لتحريك العضلات فعلا ، وإن تعلّقت بإيجاد أمر في المستقبل لا تتعلّق الإرادة بتحريك العضلات في الحال ، بل لو فرضنا بقاء الإرادة الاُولى إلى زمان العمل تتعلّق إرادة اُخرى بتحريك العضلات ; لمكان توقّف الإيجاد عليه .
وما ربّما يتوهّم : من أنّ الإرادة الواحدة ـ أعني إرادة الإيجاد ـ محرّكة لها أيضاً مردود ; فإنّ النفس ترى توقّف الشرب على تحريك العضلات ، فلا محالة تريد حركتها مستقلاّ لأجل التوصّل إلى مطلوبه .
فتلخّص : أنّ الإرادة المتعلّقة بتحريك العضلات غير الإرادة المتعلّقة بإيجاد المطلوب وأ نّه لا تلازم بين إرادة المطلوب وتحريك العضلات .
بحث وتفصيل : غاية ما يمكن أن يقال في بيان كون الإرادة علّة تامّة لحركة العضلات : هي أنّ القوى العاملة للنفس وآلاتها المنبثّة فيها لمّا كانت تحت سلطان النفس وقدرتها ، بل هي من مراتبها النازلة وشؤونها الذاتية . وحينئذ لايمكن لها التعصّي عن إرادتها ، فإذا أراد قبضها انقبضت أو بسطها انبسطت ، من غير تعصّ ولا تأبّ وهذا أمر وجداني وبرهاني .