أ فلا يستولي علينا العجب جميعاً، و نعترض قائلين: إنَّ استراحة ساعة لعابر
سبيل لا تستوجب كل هذا العناء و التعب!
لذلك، فإنَّ الذين لا يؤمنون بالبعث و بالحياة بعد الموت، لا يرون لهذه الدنيا
أي هدف و أنَّها فارغة و عبث. و هذا القول كثيراً ما يصادفنا في كتابات الماديين و
يكررونه الى الحد الذي يقودهم الى الانتحار، نتيجة لإصابتهم بالتعب و الملل من
حياة لا هدف لها.
إنَّ ما يعطي لهذه الدنيا هدفاً و يجعلها معقولة و منطقية هو اعتبارها مرحلة
متقدمة لعالم آخر، و أنَّ ما فيها من مشكلات و وضع كل هذه المقدمات إنَّما الهدف
منه أن يستفيد منه الانسان في مسيرة حياة خالدة.
كنا قد ضربنا بهذه المناسبة مثلًا الجنين في رحم أُمَّه، فلو كان له شيء من
العقل و الادراك، و يقال له: إنَّ الحياة التي تقضيها هناك ليس بعدها شيء، لاعترض
قائلًا: ما معنى أنْ أكون سجيناً في هذا المكان و في هذا المحيط الضيق، أطعم الدم،
مطوي الاطراف، مرمياً في هذه الزاوية المظلمة، ثمّ لا يكون بعد هذا شيء. ما الذي
استهدفه الخالق بهذا الخلق؟
أمّا إذا أكّدوا له بأنَّ هذه الأشهر القليلة ليست سوى مرحلة عابرة يجري فيها
إعدادك للخروج الى عالم جديد و حياة أطول و في دنيا هي أوسع بكثير من دنياك الضيقة
هذه، مضيئة و رائعة، و فيها نعم كثيرة، عندئذ يقتنع الجنين بأنَّ الدورة التي
يقضيها في رحم أُمّه ليست خالية من هدف، و هو هدف جليل يستحق تحمل عناء هذه الفترة
العابرة.