كاذبة و أصالة موهومة. و هذه عادة الجاهليين قديما و حديثا في تعصبهم القومي و
خاصة في ما يتعلق باسلافهم.
الإسلام أدان المنطق الرجعي القائم على تقديس ما عليه الآباء و الأجداد، لأنه
ينفي العقل الإنساني. و يرفض تطوّر التجارب البشرية، و يصادر الموضوعية في معالجة
قضايا السلف.
هذا المنطق الجاهلي يسود اليوم- و مع الأسف- في بقاع مختلفة من عالمنا، و يظهر
هنا و هناك بشكل «صنم» يوحي بعادات و تقاليد خرافية مطروحة باسم «آثار الآباء» و
مؤامرة باسم الحفاظ على المآثر القوميّة و الوطنية، مشكّلا بذلك أهم عامل لانتقال
الخرافات من جيل إلى جيل آخر.
لا مانع طبعا من تحليل عادات الآباء و تقاليدهم، فما انسجم منها مع العقل و
المنطق حفظ، و ما كان وهما و خرافة لفظ. المقدار المنسجم مع العقل و المنطق من
العادات و الثقاليد يستحق الحفظ و الصيانة باعتباره تراثا قوميا. أمّا الاستسلام
التام الأعمى لتلك العادات و التقاليد فليس إلّا الرجعية و الحماقة.
جدير بالذكر أن الآية أعلاه تتحدث عن آباء هؤلاء المشركين و تقول عنهم إنهم لا
يعلمون، و لا يهتدون. و هذا يعني إمكان الاقتداء باثنين. بمن كان يملك الفكر و
العقل و العلم، و من كان قد اهتدى بالعلماء.
أما أسلاف هؤلاء فلم يكونوا يعلمون، و لم يكونوا قد اهتدوا بمن يعلم و هذا
اللون من التقليد الأعمى هو السبب في تخلف البشرية لأنه تقليد الجاهل للجاهل.
الآية التالية تبين سبب تعصّب هؤلاء و إعراضهم عن الانصياع لقول الحق تقول: وَ مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ
بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَ نِداءً. تقول
الآية:
إن مثلك في دعوة هؤلاء المشركين إلى الايمان و نبذ الخرافات و التقليد الأعمى
كمن يصيح بقطيع الغنم (لإنقاذهم من الخطر) و لكن الأغنام لا تدرك منه سوى أصوات
غير مفهومة.