النبوّة، و أقبل علم الاسلام يرفل في ملابس الجلال، و تبدّى
نور الايمان يخطر في حلل الكمال، كالطود الشامخ في مجده، أو البحر الزاخر عند
مدّه، قد أيّده اللّه بروح قدسه، و أوجب من ولائه ما أوجب من ولاء نفسه، و أيّده
بالعصمة التامّة، و شرّفه بالرئاسة العامّة، كالقمر المنير في كفّه شهاب ساطع، أو
الموت المبير إذا علا بسيفه القاطع، حتى إذا قارنه و قاربه و شزره بطرفه عند
المصاولة علاه بمشحوذ العذاب لو علا به رضوى لغادر كثيبا مهيلا، و لو أهوى به على
أكبر طود في الدنيا لصيّره منفطرا مقلولا، فخرّ كالجذع المنقعر، أو البعير إذا
نحر، يخور بدمه، و يضطرب لشدّة ألمه، قد سلبته ملابس الحياة أيدي المنيّة، و كسته
من نجاح دمه حلّة عدميّة، و كفى اللّه المؤمنين القتال بوليّه المطلق، و صدّيق
نبيّه المصدّق، الّذي أعزّ اللّه الاسلام و أهله بعزمه، و أذلّ الشرك و جنده
بقدمه.
فيا من كفر بأنعم ربّه،
و أجلب بخيله و رجله على حربه، و رابطه مصابرا، و عانده مجاهرا، و أظهر نفاقه
الكامن، و غلّه الباطن، أ لم يكن أبوك في تلك المواطن رأسا للمشركين؟ أ لم يكن في
حرب نبيّه ظهيرا للكافرين؟
أ لست ابن آكلة الأكباد
البغيّة؟ أ لست زعيم العصابة الأمويّة؟ أ لست فرع الشجرة الملعونة؟ أ لست رأس
الامّة المفتونة؟ أ ليس قائد أحزاب المشركين أباك؟ أ ليس أوّل المبارزين في بدر
جدّك و خالك و أخاك، اديرت كئوس المنون بيد وليّ اللّه عليهم، و بطرت الحتوف من
كثب إليهم، و أنزل سبحانه (فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَ اضْرِبُوا
مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ)[1] منهم ذلك بما
قدّمت أيديهم، قلبت أشلاءهم بعد الموت في القلب، (وَ لَوْ تَرى إِذْ
فَزِعُوا فَلا فَوْتَ)