بشريف طلعته، و يمنع عوامل الحتوف بشدّة عزمته، حتى باهى اللّه
يومئذ ملائكته ببطشه القويّ، و نادى مناد من السماء: لا سيف إلّا ذو الفقار و لا
فتى إلّا عليّ.
و في بدر إذا التقى
الجمعان، و اصطدم الفيلقان، و شخصت الأعين، و خرست الألسن، وجبت الجيوب، و وجبت
القلوب، كان صلوات اللّه عليه و آله قاصم أبطالها، و ميتّم أشبالها، و ليث ناديها،
وصل داريها، صبّ اللّه بشدّة بطشه على أعدائه سوط عذابه، و أنزل بالملحدين في
آياته من صولة سطوته وخيم عقابه.
صاحب بطشتها الكبرى، و
ناصب رايتها العظمى، جعل اللّه الملائكة المسوّمين فيها من جملة حشمه و جنده، و
لواء الفتح المبين خافقا على هامة رفعته و مجده، و شمس الشرك ببدر وجهه مكوّرة، و
جموع البغي بتصحيح عزمه مكسّرة، و هل أتاك نبأ الخصم الألدّ؟ أعني مقدام الأحزاب
عمرو بن ودّ، البطل الأعبل، و فارس يليل، إذ أقبل برز كالليث القرم، و يهدر كالفحل
المغتلم، و يصول مدلّا بنجدته، و يجول مفتخرا بشدّته، و يشمخ بأنفه كبرا، و يبذخ
بخدّه صعرا، قد تحامته الفرسان خوفا من سطوته، و أحجمت عنه الشجعان حذرا من صولته،
و انهلعت قلوب الأبطال لمّا طبق الخندق بطرفه، و ذهلت عقول الرجال لمّا شزرهم
بطرفه، كالأسد الكاسر في غابه، أو النمر الكاشر عن نابه، فزاغت الأبصار و بلغت
القلوب الحناجر، و أحجمت الأنصار لمّا سمعت زئير الأسد المبادر، و امتدّت نحوه
الأعناق، و شخصت إليه الأحداق، و خشعت الأصوات، و سكنت الحركات، و هو يؤنّب
بتعنيفه، و يجبر بتأفيفه.
فعندها أشرق بدر الحقّ
من شفق الفتوّة، و طلعت شمس المجد من برج