ولايريد معصيته. وهذه الإرادة [1] غير الإرادة الأُولى في المعنى.
[1] هذه الإرادة هي الإرادة التشريعية، والإرادة الأُولى هي الإرادة التكوينية، فباعتبار الإرادة التكوينية لا فرق بين الطاعة والمعصية، فإنّ ذات الفعل وحقيقته العينية من الأُمور الممكنة في ذاتها وينتهي لا محالة إلى إرادة اللّه التكوينية كغيره من الحوادث الإمكانية، ولكنّه سبحانه يرضى لعباده الطاعة ولايرضى لهم المعصية، والكاشف عن هذا الرضا وعدمه هو الأوامر والنواهي الشرعية.
ولكن المتكلّمين غالباً لم يفصلوا بين الإرادتين، فأوجب ذلك نزاعاً حادّاً بين العدلية والأشاعرة فذهبت العدلية إلى أنّ إرادة اللّه تعالى لاتتعلّق بالمعاصي، وذهبت الأشاعرة إلى عموميتها للطاعات والمعاصي.
والقول الفصل في المسألة هو عمومية إرادة اللّه تعالى التكوينية للطاعات والمعاصي ـ أي ذات الأفعال وواقعيتها ـ واختصاص إرادته التشريعية بالطاعات، وهذا هو مقتضى العقل والنقل.
أمّا العقل فلما تقدّم آنفاً من أنّ الفعل في واقعيته من الأُمور الإمكانية المحتاجة في وجودها إلى إرادة اللّه تعالى التكوينية وليست عناوين الطاعة والعصيان من جهات الفعل وصفاته الخارجية.
وأمّا النقل فيدل على ذلك القرآن والسنّة، فمن السنّة ما عرفت آنفاً، ومن القرآن قوله سبحانه، يصف فعل السحرة في عهد سليمان النبي ـ على نبيّنا وآله و عليه السلام ـ
فيما كانوا يعملونه من إيجاد التفرقة بين المرء وزوجه ـ وهو عمل قبيحـ: (وَما هُمْ بِضارّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ). (البقرة/102) والمراد من الإذن في الآية هو الإذن التكويني لا التشريعي، بقرينة أنّ الآية في مقام الذّمّ واللوم لذلك العمل.