وإذا حصل الداعي للقادر فهل يجب وجود الفعل أم لا؟ فيه خلاف بين المتكلّمين. والمحقّقون منهم يقولون بوجوبه، ويقولون: إنّ هذا الوجوب لايقتضي إيجاب فاعله، إذ كان فعله تبعاً لداعيه، وليس للاختيار معنى غير ذلك.
وبعض القدماء أنكروه مخافة التزام الإيجاب، وقال بعضهم: عند الداعي يصير وجود الفعل أولى من لا وجوده.
وقيل لهم: هل يمكن مع هذه الأولويّة لا وقوع الفعل أم لا؟ فإن أمكن فلا يكون للأولويّة أثر، وإن لم يمكن كانت الأولويّة هي الوجوب، ولايتغيّر الحكم بتغيير الألفاظ.
إلى تحصيله، فذلك العلم أو الظن بالمصلحة هو مرادنا بالداعي، وذلك الشوق والميل الحاصل عنه هو المسمّى بالإرادة.
وكذلك إن علم أو ظنّ فيه مفسدة فإنّه يجد من نفسه انصرافاً وانقباضاً عنه، فذلك العلم أو الظن بالمفسدة مرادنا بالصارف، والنفرة الحاصلة عنه هي المسمّى بالكراهة.
وأمّا في حقّ الباري تعالى فلمّا امتنع عليه الظن والوهم لم يكن دواعيه وصوارفه إلاّ علوماً، ولما كان الشوق والنفرة من توابع القوى الحيوانية لم تصدق الإرادة والكراهة بالمعنى المذكور في حقّه تعالى، فمعنى كونه مريداً هو علمه باشتمال الفعل على المصلحة الداعية إلى إيحاده، ومعنى كونه كارهاً هو علمه باشتماله على المفسدة الصارفة عن إيجاده، وهذان العلمان أخصّ من مطلق العلم».[1]