يشتمل على ما لا يشتمل عليه صاحبه، و يحتوي علما لا يحتويه
مضارعه، فإنّ الكحل لا يغني عن الشنب[1] و إنّما الفضل
لمن سبق، و قد اعتنت بروايته و دراسته جماعة من العلماء في كلّ الأعصار، و عدّوه
من الأصول المعتبرة الّتي عليها المدار، من دون أيّ طعن فيه أو غمز في مؤلّفه، بل
انعقد إجماعهم دون محاشاة على اعتباره، و صحّة جلّ أخباره، هذا شيخ الشّيعة، و
زعيمها الأكبر، و معلّمها المناضل المجاهد أبو عبد اللّه محمّد بن محمّد بن
النعمان الملقّب بالمفيد (ره) كان يروي عنه في كتاب غيبته، و يحتجّ برواياته، و ذاك
شيخ الطائفة، و رئيس الفرقة الناجية أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (ره) كان
ينقل منه و يعتقد صحّته، و هكذا زمرة كبيرة من رجالات العلم و أئمّة الحديث زيّنوا
كتبهم بنقل أخباره و تبجيل مؤلّفه و سرد أقواله.
فاذا كان الكتاب ذا
أهمّيّة إلى هذه الدّرجة فبالحريّ أن يحيا و ينشر، و حقيق بأن تتوفّر نسخه، خليق
بأن يحتفل على تدارسه، و باحيائه يحيا مؤلّفه، و يظهر فضله، و يبرز نبله، و لا بدّ
أن ينشر في ثوب قشيب، عريّا من الخلل و السقط و التحريف بحيث يليق بجلالة التأليف
و شخصيّة المؤلّف، فالتّسامح في أمره يوجب الندم، و التقاعس عن مفروضه يورث زوال
النّعم، و عدم الاعتناء بشأنه عدّ من الذّنوب الّتي تنزل النّقم، و الغفلة عنه
تقود إلى الفوت لأنّ الحياة تجرّ إلى الموت، و إضاعة الفرص تنتهي إلى تجرّع الغصص،
و الصحّة مركب الألم، و الشّيبة زورق يقطع إلى ساحل الهرم.
فكنت أغدو و أروح في
فجوة الانتظار، أترقّب الفرصة و فراغ البال، فما زالت العوائق تدفعني عن القيام
بواجبه، و المشاغل تمنعني عن الاقدام بأمره، و كلّما جنحت إلى الانفصال إليه حال
بيني و بينه مانع يذودني عنه، و متى رمت المتاب إليه رددت، و كلّما يممت الباب
صددت، فكم من مأمول بين أثناء المحاذير مدبّج، و محبوب في طيّ التقادير مدرّج،
فمرّت على ضالّتي المنشودة شهور
[1]. الكحل- بالتحريك- شدّة سواد العين. و الشنب:
بياض الأسنان.