و تاريخها، و كانت ولادته عليه السّلام بين الشّيعة و خواصّ
أبيه من الأمور المعلومة المعروفة، و قد أمر أبوه عليه السّلام أن يعقّ عنه، و
عرضه على أصحابه يوم الثّالث من ولادته.
و الأخبار الصّحيحة
الواردة بأسانيد عالية في ذلك كثيرة متواترة جدا، و قد أحصى بعض العلماء أسماء
جماعة ممّن فازوا بلقائه في حياة أبيه و بعدها كما قد نقل عن بعض أهل السنّة
الاجتماع به عليه السّلام بل أخرج بعض من حفّاظهم مثل حافظ زمانه أحمد بن محمّد بن
هاشم البلاذريّ الحديث عنه عليه السّلام.
و لقد كان أبوه و شيعته
يحفظون ولادته عن أعدائه من بني العبّاس و غيرهم.
و كان السرّ في ذلك أنّ
بني العبّاس لمّا علموا من الأخبار المرويّة عن النبيّ و الأئمّة من أهل البيت
عليهم السّلام أنّ المهديّ هو الثّاني عشر من الأئمّة، و هو الّذي يملأ الأرض
عدلا، و يفتح حصون الضّلالة، و يزيل دولة الجبابرة أرادوا إطفاء نوره بقتله فلذا
عيّنوا العيون و الجواسيس للتّفتيش عن بيت أبيه، و لكن أبى اللّه إلّا أن يجري في
حجّته المهديّ سنّة نبيّه موسى عليهما السّلام، و قد ورد في الرّوايات الكثيرة عن
آبائه عليهم السّلام خفاء ولادته عليه السّلام، و شباهته في ذلك بموسى عليه
السّلام[1].
فعلى هذا لم ينبعث
الايمان بظهور المهديّ عليه السّلام إلّا من الإيمان بنبوّة جدّه محمّد صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم، و ليس في الخصوصيّات المذكورة أمر غير مألوف ممّا لم تجد مثله
في هذه الامّة أو الأمم السّالفة. فلا بدّ لمن يؤمن باللّه و بالنبيّ الصادق
المصدّق بعد العلم بهذه الأخبار الكثيرة الايمان بظهور المهديّ المنتظر صاحب هذا
النّسب المعلوم و السّمات و النّعوت المشهورة، و لا يجوز مؤاخذة الشّيعيّ بانتظار
هذا الظّهور، و لا يصحّ دفع ذلك بمجرّد الاستبعاد[2].
[1]. راجع الباب الثاني و الثلاثين من الفصل
الثاني من كتابنا منتخب الاثر.
[2]. فالمسلم الذي يؤمن بحياة عيسى، بل و حياة
الدجال الكافر، و خروجه في آخر الزمان، و بحياة خضر و إدريس، و يروى عن نبيه( ص)
في أصح كتبه في الحديث كصحيح مسلم-- و ترمذي و سنن أبي داود، و ابن ماجه باب ذكر
ابن صياد و خروج الدجال و احتمالهم كون ابن صياد هو الدجال- و يروى عن تميم الدارى
ما هو صريح في أن الدجال كان حيا في عصر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله. و أنّه
يخرج في آخر الزمان، و يؤمن بطول عمر نوح و يقرأ في القرآن:« فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ
سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً» و قوله تعالى:« فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ
الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» و
أمثال هذه الأمور ممّا يستغربه بعض الاذهان لقلة الانس به، كيف يعيب الشيعة على
قولهم ببقاء الامام المنتظر، و ينسبهم الى الجهل و عدم العقل، و مفاسد هذه
الاستبعادات في المسائل الدينية كثيرة، و لو فتح هذا الباب لامكن انكار كثير من
المسائل الاعتقادية، و غيرها مما دل عليه صحيح النقل بالاستبعاد، و يلزم من ذلك
طرح ظواهر الاخبار و الآيات بل و صريحها و لا أظن بمسلم أن يرضى بذلك، و ان كان
الخطيب ربما لا يأبى عن ذلك، و يريه نوعا من الثقافة.