عن عملية الاستنباط، و طرح السؤال هكذا: هل يجوز الاجتهاد في الشريعة؟ و حينما دخلت كلمة «الاجتهاد» في السؤال- و هي كلمة مرّت بمصطلحات عديدة في تاريخها- أدّت إلى إلقاء ظلال تلك المصطلحات السابقة على البحث، و نتج عن ذلك أن أجاب البعض على السؤال بالنفي، و أدّى ذلك إلى شجب علم الأصول كلّه لأنه إنما يراد لأجل الاجتهاد، فإذا ألغي الاجتهاد لم تعد حاجة إلى علم الأصول.
و في سبيل توضيح ذلك يجب أن نذكر التطور الذي مرّت به كلمة الاجتهاد لكي نتبين كيف أن النزاع الذي وقع حول جواز عملية الاستنباط و الضجّة التي أثيرت ضدّها لم يكن إلّا نتيجة فهم غير دقيق للاصطلاح العلمي و غفلة عن التطورات التي مرّت بها كلمة الاجتهاد في تاريخ هذا العلم.
الاجتهاد في اللغة مأخوذ من الجهد و هو «بذل الوسع للقيام بعمل ما»، و قد استعملت هذه الكلمة- لأول مرّة- على الصعيد الفقهي للتعبير بها عن قاعدة من القواعد التي قرّرتها بعض مدارس الفقه السنّي و سارت على أساسها و هي القاعدة القائلة: «إن الفقيه إذا أراد أن يستنبط حكما شرعيا و لم يجد نصا يدل عليه في الكتاب أو السنّة رجع إلى الاجتهاد بدلا عن النص»، و الاجتهاد هنا يعني التفكير الشخصي (1)، فالفقيه- حيث لا يجد النص- يرجع إلى تفكيره
(1) و الرجوع إلى الظن، و هو باطل بداهة لوجود أحاديث صحيحة من قبل الأئمة :، لكنهم لا يؤمنون بالأئمة فتركوهم و صاروا يعملون بظنونهم.