و قد انقلبت بحكم الشارع المقدّس تلك القاعدة العملية الأساسية إلى قاعدة عملية ثانوية و هي أصالة البراءة القائلة بعدم وجوب الاحتياط.
و السبب في هذا الانقلاب أنّا علمنا عن طريق البيان الشرعي أن الشارع لا يهتمّ بالتكاليف المحتملة إلى الدرجة التي تحتّم الاحتياط على المكلف، بل يرضى بترك الاحتياط (1).
و الدليل على ذلك نصوص شرعية متعدّدة من أشهرها النصّ النبوي القائل: «رفع عن أمتي ما لا يعلمون» (2)، بل استدل ببعض الآيات على ذلك كقوله تعالى: وَ ما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا(3)، فإن الرسول يفهم كمثال على البيان و الدليل، فتدلّ الآية على أنه لا عقاب بدون دليل.
(2) لا يرفع الجعل كالحرمة الواقعية للتدخين و لا المجعول كالحرمة الفعلية على المكلفين (لأن الحرمة الفعلية معلولة لجعل الحرمة) فالمفسدة الواقعية ثابتة، و إنما الذي يرفع- كما سيأتي في الحلقتين الآتيتين- هو منجزية هذه الحرمة، أي ان الحرمة- لجهلنا بها- غير منجّزة علينا فلا نستحق العقاب.