و يخالف في ذلك كثير من الأصوليين إيمانا منهم بأن الأصل في المكلف أن لا يكون مسئولا عن التكاليف المشكوكة و لو احتمل أهمّيتها بدرجة كبيرة. و يرى هؤلاء الأعلام أن العقل هو الذي يحكم بنفي المسئولية، لأنه يدرك قبح العقاب من المولى على مخالفة المكلف للتكليف الذي لم يصل إليه. و لأجل هذا يطلقون على الأصل من وجهة نظرهم اسم «قاعدة قبح العقاب بلا بيان» أو «البراءة العقلية» أي أن العقل يحكم بأنّ عقاب المولى للمكلف على مخالفة التكليف المشكوك قبيح، و ما دام المكلّف مأمونا من العقاب فهو غير مسئول و لا يجب عليه الاحتياط. و يستشهد (1) لذلك بما استقرّت عليه سيرة العقلاء من عدم إدانة الموالي للمكلفين في حالات الشك و عدم قيام الدليل، فإن هذا يدلّ على قبح العقاب بلا بيان في نظر العقلاء.
(هذا) و لكن لكي ندرك أن العقل هل يحكم بقبح معاقبة اللّه تعالى للمكلف على مخالفة التكليف المشكوك أو لا، يجب أن نعرف حدود حق الطاعة الثابت للّه تعالى، فإذا كان هذا الحق يشمل التكاليف المشكوكة التي يحتمل المكلف أهمّيتها بدرجة كبيرة (2)- كما عرفنا- فلا يكون عقاب اللّه للمكلف إذا خالفها قبيحا، لأنه بمخالفتها يفرّط في حقّ مولاه فيستحق العقاب. و أما ما استشهد به
(1) قال و يستشهد و لم يقل و يستدل، و ذلك لأنّ هذا مؤيّد فقط في نظر المشهور، و إلّا فالفرق واضح بين المولى الحقيقي و الموالي العرفيين.