و هكذا نعرف أنّا حين نسمع جملة كجملة «الحق منتصر» نتصور المعاني اللغويّة للمبتدا و الخبر بسبب الوضع الذي أوجد علاقة أكيدة بين تصور اللفظ و تصور المعنى، و نكتشف الارادة الواعية للمتكلم من ظاهر حاله، و تصورنا ذلك يمثل الدلالة التصورية، و اكتشافنا هذا يمثل الدلالة التصديقية، و المعنى الذي نتصوره هو المدلول التصوري و اللغوي للفظ، و الارادة التي نكتشفها في نفس المتكلم هي المدلول التصديقي و النفسي الذي يدلّ عليه حال المتكلم.
و على هذا الأساس نكتشف مصدرين للدلالة:
أحدهما: اللغة بما تشتمل عليها من أوضاع، و هي مصدر الدلالة التصورية.
و الآخر: حال المتكلم، و هو مصدر الدلالة التصديقية (أي دلالة اللفظ على مدلوله النفسي التصديقي)، فإن اللفظ إنما يكشف عن إرادة المتكلم إذا صدر في حال يقظة و انتباه و جدية، فهذه الحالة هي مصدر الدلالة التصديقية، و لهذا نجد أن اللفظ إذا صدر من المتكلم في حالة نوم أو ذهول لا توجد له دلالة تصديقية و مدلول نفسي.
الجملة الخبرية و الجملة الانشائية:
تقسم الجملة عادة إلى خبريّة و إنشائية (1)، و نحن في حياتنا
(1) يريد أن يقول في هذا البحث: ان الجملة الخبرية موضوعة لمعنى «النسبة التامّة بما هي حقيقة واقعة» و الجملة الانشائية موضوعة لمعنى «نسبة تامّة يراد تحقيقها».