قال: فلم عرّضت بزوال هذه المسرّة؟ و لم
عقبت ما تقدّم منك من المبرة بهذه المضرّة؟
فاستعفته، فامتنع من إعفائها. فأقسمت عليه فأقسم لتخبرنّه بهذه القصة
التي قد أصرّت على إخفائها.
فقالت: و كيف لا أبكي لفقد هذه الحال السارة؟ و أتأسف على خروجي من
ظلّ عزّ المملكة، و حمى دار الإمارة؟
فقال لها: ما هذا الوسواس الذي قد ملك عليك بالك؟ و ما هذا الفأل
الذي أوقعك فيه الرأي القائل لا أبا لك؟!
[أسباب زوال الملك]
قالت: و أي ملك يبقى و قد فشا الظلم في الرعية. و ضعفت عن دفعه من
السلطنة يدها القوية. و لم يبق من لا يخشى ظلم غيرك.
و لا خير يرجى من أحد إلّا فضلك و خيرك، و قد أهملت مع ذلك- أيها
الملك- النظر في أمور رعيتك و المباشرة لأحوالهم، و أعرضت عنهم إعراض المغضب
عليهم. فانقطعت من حسن الظنّ بجميل الرأي فيهم عرى آمالهم. فلو نظرت إليهم في كل
أسبوع نظرة لعرفت بها في وجوههم نضرة النعيم. و استروحوا إليك و لو بمجرد الشكوى
كما يستريح إلى الطبيب بشكوى بثه السقيم. فإنّ المريض ينتعش عند رؤية طبيبه قواه.
و يجد لذلك من الأثر في نفسه ما لا يجده لنافع دواه.