و قد حكي أن بعض ملوك الصين[1]
كان قد أوتي في العدل بسطة. و حبّب إليه الإنصاف حتى لم يكن له في شيء سواه سرور
و لا في غيره غبطة. فكان يجلس لرعيته غداة كلّ يوم فينظر في مصالحهم و مظالمهم. و
يكفّ عن مظلومهم يد ظالمهم. فلم يزل على ذلك حتى أصيب بآفة في سمعه. و اعتراه صمم
لم يقدر بحيلة على دفعه عن نفسه و منعه. فتعاظمه ما ترك به من هذا العارض.
و تكدّر عليه من عيشه صفوه و أضحى حميم لذاته و هو بارض[2].
فدخل عليه في بعض الأيام بعض خواصه، فوجده يبكي بكاء ثكلى أصيبت
بواحدها و عزّها الجزع، فعسر عليها العزاء حتى أبكت عين حاسدها.
فقال له: الملك- أعزّه اللّه- أبصر بمواقع السلو و العزاء. و أعلم
بما أعدّه اللّه تعالى للصابرين في البأساء من حسن الجزاء. و إنّ الجزع لا يردّ
فايتا، و البكاء لا يردّ ذاهبا. و الصبر أحسن في الأمور عواقبا.
فقال: و اللّه ما أبكي لما فات مني، فإني قد احتسبت عند اللّه قوته.
و لكن لمظلوم يصرخ بالباب، فلا أسمع صوته.
[1] ملوك الصين: انظر طرفا من تاريخهم و أخبارهم في
مروج الذهب 1: 155- 173؛ و معجم البلدان( مادة صين) 3: 440- 448. و ترد حكاية
الثوب الأحمر في عدّة مصادر بينها: سراج الملوك للطرطوشي( تح: محمد فتحي أبو بكر-
الدار المصرية اللبنانية- الإسكندرية، 1994 م) ص 223، و قد جعلها في الهند بدل
الصين. المصباح المضيء لابن الجوزي 2/ 145؛ عيون الأخبار 2/ 335.
[2]بارض و
مبروض: مفتقر، لكثرة عطائه و حميم لذاته: أسير لذاته.