فاجتمع له من السرور ما تفرّق في سالف عمره. و أسف على ما فرط فيه من
الغفلة عنها في غابر دهره. ثم أنشد بعد ما قرع سنّ نادم[1]
[الطويل]:
و
كاد سروري لا يفي بندامتي
على
تركها في دهري المتقادم
فلم يزل معها على تلك الحال حتى علمت أن السرور قد غلب عليه. و الطرب
قد تناهت غاياته إليه. فاندفعت تغنّي بشعر تعرّض فيه لذلك المجلس بالزوال. و لتلك
الحال بالتحول و الانتقال. ثم أجهشت في إثره بالبكاء و العويل. و اتبعت ذلك بالأسف
الزائد و التحسر الطويل.
فاضطرب الملك لذلك و تنكر. و تغيّر وجهه و تمعر[2].
و قال لها: ممّ هذا البكاء الذي لا يليق بهذا الوقت؟ و ما الموجب للانتقال من حال
يوجب المقة[3] إلى حالة
توجب المقت؟ و هل بقي شيء من المسار إلّا و حضر؟ و هل شيء من هذه الملاذ[4] إلّا و قد غبر في وجه ما مضى من
أمثاله في سالف العمر و غبر؟
فقالت: لا و اللّه ما على هذا كان أعوالي. و لا بسببه كان إذا رأى
لدمعي و أسبالي.