قال
المسعودي: ولمّا حضرته الوفاة اجتمعت إليه بنو أميّة فقالوا له: اعهد إلى من ترى
من أهل بيتك! فقال: لا واللّه ما ذقت حلاوة خلافتكم فكيف أتقلّد وزرها وتتعجّلون
أنتم حلاوتها وأتعجّل مرارتها؟! اللهمّ إنّي بريء منها ومتخلّ عنها، اللهمّ إنّي
لا أجد نفراً كأهل الشورى فأجعلها إليهم، ينصبون لها من يرونه أهلًا لها.
وكانت
أمّه ابنة خال أبيه: أمّ هاشم بنت أبي هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس واقفة
تسمعه فقالت له: ليت أنّي خرقة حيضة ولم أسمع منك هذا الكلام!
فقال
لها: يا أمّاه! وليتني كنت خرقة حيض ولم أتقلّد هذا الأمر، أتفوز بنو أميّة
بحلاوتها وأبوء أنا بوزرها ومنعها عن أهلها؟! كلّا إنّي لبريء منها[1]!
إلا
أنّ ابن قتيبة قال: جمع الناس فخرج إليهم، فحمد اللّه وأثنى عليه ثمّ قال لهم:
أيّها الناس! إنّي نظرت لكم فيما صار إليّ من أمركم وتقلّدته من ولايتكم، فوجدت
فيما بيني وبين ربّي أنّه لا يسعني أن أتقدّم على قوم فيهم من هو خير منّي وأحقّهم
بذلك وأقوى على ما تقلّدته، فاختاروا منّي إحدى خصلتين:
إمّا
أن أخرج منها واستخلف عليكم من أراه رضاً لكم ومقنعا، ولكم عليّ اللّه أن لا آلوكم
نصحاً في الدين والدنيا.
وإمّا
أن تختاروا لأنفسكم وتخرجوني منها.
قال:
فخافت بنو أميّة أن تزول الخلافة منهم فقالوا له: ننظر في ذلك يا أمير المؤمنين
ونستخير اللّه، فأمهلنا. فقال لهم: لكم ذلك وعجّلوا عليّ.
فلم
يلبثوا بعدها إلا أيّاما حتّى طعن، فدخلوا عليه فقالوا: استخلف على الناس من تراه
لهم رضا. فقال لهم: عند الموت تريدون ذلك؟! لا واللّه لا أتزوّدها، ما سعدت
بحلاوتها فكيف أشقى بمرارتها؟! فهلك ولم يستخلف أحداً[2].