غرائز و شهوات تصير حجبا على عقله و
فطرته مع أنّ إبليس و حزبه أيضا يوسوس الإنسان و يدعوه إلى الغيّ و الضلال، فوجب
في حكمته تعالى أن يبعث الرسل تسديدا للعقل و الفطرة و لأن يبيّنوا ما يقصر العقل
عن دركه من الحسن و القبح.
قال الزمخشري: «فإن قلت: كيف يكون للناس
على اللّه حجّة قبل الرسل و هم محجوبون بما نصبه اللّه من الأدلّة التي النظر فيها
موصل إلى المعرفة، و الرسل في أنفسهم لم يتوصّلوا إلى المعرفة إلاّ بالنظر في تلك
الأدلّة، و لا عرف أنّهم رسل اللّه إلاّ بالنظر فيها؟
قلت: الرسل منبّهون عن الغفلة، و باعثون
على النظر، مع ما حملوه من تفضيل أمور الدين و بيان أحوال التكليف و تعليم
الشرائع، فكان إرسالهم إزاحة للعلّة و تتميما لإلزام الحجّة، لئلاّ يقولوا: لو لا
أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة و ينبّهنا لما وجب الانتباه له» . 1
و قال الطبرسي: «لو لم يقم الحجّة إلاّ
بإنفاذ الرسل لفسد ذلك من وجهين:
أحدهما: أنّ صدق الرسول لا يمكن العلم
به إلاّ بعد تقدّم العلم بالتوحيد و العدل، فإن كانت الحجّة عليه غير قائمة فلا
طريق له إلى معرفة النبيّ و صدقه.
و الثاني: أنّه لو كانت الحجّة لا تقوم
إلاّ بالرسل لاحتاج الرسول أيضا إلى رسول آخر حتى تكون الحجّة عليه قائمة، و
الكلام في رسوله كالكلام فيه حتى يتسلسل و ذلك فاسد، فمن استدلّ بهذه الآية على
أنّ التكليف لا يصحّ بحال إلاّ بعد إنفاذ الرسل فقد أبعد لما قلناه» . 2