فإن قلت: لكن هاهنا إشكال آخر و هو أنّ
المكلّف في الفرض المذكور لا يخلو من الفعل و الترك، و كلاهما موضوعان للقبح، أمّا
الفعل لأنّه كذب، و أمّا الترك لأنّه خلف الوعد.
قلت: ليس الوعد من العناوين المحسّنة
مطلقا، بل يشترط أن يكون متعلّقه أمرا راجحا عقلا أو شرعا. و الكذب من القبائح
العقلية و الشرعية، فليس الوفاء بالوعد في الفرض المذكور حسنا، بل هو قبيح يجب
تركه.
6. لا تتمّ الحجّة إلاّ بالرسل
نصّ القرآن الكريم على أنّ الحجّة من
اللّه تعالى على العباد إنّما تتمّ بإرسال الرسل مبشّرين و منذرين، و انّه تعالى
لا يعذّب حتى يبعث رسولا، قال سبحانه:
وَ مٰا كُنّٰا مُعَذِّبِينَ
حَتّٰى نَبْعَثَ رَسُولاً (الإسراء/15 . و قال سبحانه: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ
وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاّٰ يَكُونَ لِلنّٰاسِ عَلَى اَللّٰهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ اَلرُّسُلِ (النساء/165 و قال تعالى: وَ مٰا كٰانَ
رَبُّكَ مُهْلِكَ اَلْقُرىٰ حَتّٰى يَبْعَثَ فِي أُمِّهٰا
رَسُولاً (القصص/59 و هذا دليل على أنّ العقل ليس مستقلا بالحسن و القبح، و لا
تكليف عقليا على العباد. 1
و الجواب: أمّا عمّا يدل على أنّ العذاب
و الهلاك مترتب على بعث الرسل، فبأنّ هذا امتنان من اللّه على العباد لا ينافي كون
العقل أيضا حجّة عليهم في بعض الأفعال كوجوب شكر المنعم و القيام بالعدل و نحوه.
و أمّا عن آية النساء، فإنّ مفاد الآية
أنّ بإرسال الرسل لا يبقى مجال الاعتذار للناس مطلقا، فالعقل و الفطرة و إن كانا
حجّتين أيضا و لكن الإنسان مجبول على