و المنافرة، أو صفة الكمال و النقص
مسلّم، و بالمعنى المتنازع فيه ممنوع» . 1
و الجواب عنه واضح بما عرفت في الفصول
المتقدمة، من أنّ الثواب و العقاب الأخرويّين لا يختلفان مع المدح و الذمّ عند
العقلاء، بل حقيقتهما واحدة و هي الجزاء بالخير أو بالسوء، فإن كان ذلك من العقلاء
يسمّى مدحا و ذمّا، و إن كان من اللّه يسمّى ثوابا و عقابا، هذا من جانب، و من
جانب آخر قلنا إنّ حكم العقل باستحقاق الفاعل للمدح أو الذم ليس جزافا و بلا ملاك،
و يرجع ذلك إلى الكمال و النقص، أو المصلحة و المفسدة، أو ما يشابه ذلك من الجهات
المحسّنة أو المقبّحة لدى العقل.
و هاهنا إشكال آخر و هو أنّ من المحتمل
جدّا أن تكون هذه الأحكام العقلائية العامة ناشئة من تعاليم الأنبياء و الهداة
الإلهيين. إذ إِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاّٰ خَلاٰ فِيهٰا نَذِيرٌ
2فعموميتها ليست كاشفة عن كونها نابعة من العقل و الفطرة.
و الجواب عنه: أنّ بعثة الأنبياء كانت
لغرض إيثار الحقائق المكنوزة في العقول، و تجديد الميثاق الفطري الواقع بين
الإنسان و ربّه، يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام: «و اصطفى سبحانه من ولده
أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، و على تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدّل أكثر خلقه
عهد اللّه إليهم، فجهلوا حقّه، و اتّخذوا الأنداد معه، و احتالتهم الشياطين عن
معرفته، و اقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، و واتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم
ميثاق فطرته، و يذكّروهم منسيّ نعمته، و يحتجّوا عليهم بالتبليغ، و يثيروا لهم
دفائن العقول. .» . 3
[1] لاحظ شرح المواقف، ج 8، ص 192، و
شرح المقاصد، ج 4، ص 291، و شرح التجريد للفاضل القوشجي، ص 338، و دلائل الصدق، ج
1، ص 366، نقلا لكلام الفضل بن روزبهان الأشعري.