و بالتأمّل فيما تقدم من الأقوال و
الأبحاث يتّضح أنّ النزاع واقع في مقامين:
الثبوت و الإثبات:
أمّا الأوّل: فالعدلية قائلون بأنّ
الأفعال الصادرة من فاعل قادر شاعر لا يخلو من جهات الحسن أو القبح، فهي إمّا حسنة
و إمّا قبيحة، و الأوامر و النواهي الشرعية كاشفة عن تلك الجهات، فاللّه تعالى
يأمر بما هو معروف حسن في نفس الأمر، و ينهى عمّا هو منكر قبيح كذلك، و الأشاعرة
منكرون لذلك كلّيا. و يقولون صفة الحسن و القبح للأفعال تابعتان لأوامره تعالى و
نواهيه، فكلّ فعل أمر به يتّصف بالحسن و ما نهى عنه يتّصف بالقبح، و لو عكس، عكس،
فالنزاع في هذا المقام دائر بين الإيجاب و السلب الكلّيّين.
قال الجويني: «إن قالوا: قد وافقتمونا
على التحسين و التقبيح في مواقع الضروريات، و إنّما خالفتمونا في الطريق المؤدّي
إلى العلم، فزعمتم أنّ الدّالّ على الحسن و القبح السمع دون العقل.
قلنا: ليس الحسن و القبح صفتين للقبيح و
الحسن، أو جهتين يقعان عليهما، و لا معنى للحسن و القبح إلاّ نفس ورود الأمر و
النهي، فالّذي أثبتته المعتزلة من كون الحسن و القبيح على صفة و حكم، قد أنكرناه
عقلا و سمعا.
و مجموع ذلك يوضّح أنّا لم نجتمع على
المطلوب مع الاختلاف في السبيل المفضى إليه» . 1
و أمّا الثاني: فالعدلية يجعلون الأفعال
على ثلاثة أقسام:
[1] الإرشاد، ط بيروت، مؤسسة الكتب
الثقافية، و قال في موضع آخر: «ليس الحسن صفة زائدة على الشرع مدركة به، و إنّما
هو عبارة عن نفس ورود الشرع بالثناء على فاعله، و كذلك القول في القبيح» ص
228-230.