و ذهبت البكرية و أصحاب التناسخ إلى أنّ
الألم لا يحسن إلاّ إذا كان مستحقا، و ما عداه فهو قبيح، و أدّى هذا المذهب
التناسخية إلى القول بأنّ كلّ من يؤلمه تعالى بالأمراض و غيرها من الأطفال و
البهائم و غيرهم، فإنّما يؤلمه بسبب أنّهم عصوا اللّه قبل هذا في زمان تكليفهم لما
كانوا في هياكل أخر.
و ذهبت العدلية إلى أنّ الألم قد يحسن
لوجوه تالية:
1. أن يكون مستحقا.
2. أن يكون فيه نفع يوفى عليه.
3. أن يكون فيه دفع ضرر أعظم منه.
فإذا اختصّ الألم بوجه من هذه الوجوه
حسن و لم يكن ظلما، و إذا تعرّى عن جميعها كان ظلما، و لهذا حدّدوا الظلم بأنّه
ضرر غير مستحق لا يكون فيه نفع موفى عليه للمتضرر و لا دفع مضرّة عنه هي أعظم منه.
و قالوا: كما يقبح الألم لكونه ظلما فقد
يقبح لكونه عبثا فيشترط حسن الألم بعدم كونه عبثا، مضافا على الاشتراط بعدم كونه
ظلما.
و الذي يبطل قول الثنوية هو أنّ العقلاء
بأسرهم يستحسنون ذمّ المسيء في وجهه مع علمهم بأنّ ذمّهم له يؤلمه و يؤذيه، و
إنّما يستحسنون ذلك لكونه مستحقا.
و الذي يبطل قولهم و قول البكرية و
أصحاب التناسخ، أنّ العقلاء كما يستحسنون ذمّ المسيء يستحسنون شرب الأدوية، و شرب
غيرهم إيّاها إذا رجوا بذلك دفع الأمراض، و كذا يستحسنون إتعاب أنفسهم و أولادهم
في طلب العلوم و الآداب رجاء أن يصلوا بذلك إلى منفعة أو اندفاع ضرر، فإذا حسن ذلك
مع الرجاء و الظن ففي صورة العلم أولى.
و الذي يبطل قول المجبّرة أنّ الظلم
يقبح لكونه ظلما، فيقبح من كلّ فاعل.