يجب على الباحث عن اللّه تعالى و صفاته
و أفعاله أن يراعي جوانب البحث و لا يهمل شيئا منها، فعند البحث عن عدله تعالى،
يجب الالتفات إلى حكمته، و عند البحث عن قدرته يجب الالتفات إلى عدله و حكمته و
هكذا، و على هذا فالعدل في الجزاء، إنّما يتحقّق معناه إذا لم تنثلم الحكمة و
العدل في التكوين، و من الواضح أنّ وجود النظام الثابت في الكون و سيادة قانون
العليّة فيها، أمر يقتضيه عدله تعالى في التكوين و حكمته في الخلق و الإيجاد، إذ
بدون وجود النظام الثابت يختل أمر الحياة و لا تتمّ للإنسان حياة سعيدة أو شقية،
فإنّه لا يطمئن إلى عمل يفعله فيما يترقب منه من النتائج و الآثار، و هذا واضح في
الغاية.
و مع فرض كون حياة الإنسان حياة
اجتماعية أوّلا، و محكومة بقانون العلّية العام ثانيا، فلا مناص من التفاعل في
آثار الحياة و الأعمال الصادرة من أفراد النوع الإنساني، فكما أنّ الأعمال الصالحة
تفيد المجتمع و يستفيد منها جميع الأفراد سواء كانوا صالحين أو غير صالحين، كذلك
الأعمال الخاطئة تؤثّر في حياة الجميع، و لو لا ذلك لم تتمّ حياة اجتماعية، هذا
خلف.
لكنّه سبحانه يعوّض البريئين بالمثوبات
الكثيرة قضاء لعدله في الجزاء و رحمته الواسعة، و قد تقدم في الجواب عن الإشكال
الرابع ما يفيد في هذا المقام، و مسألة الأعواض في علم الكلام تكفي مئونة الجواب
عن هذا الإشكال، فلا بأس بأن نذكر شطرا ممّا ذكروه في هذا المجال فنقول:
الأقوال في حسن الآلام و قبحها
اختلفوا في حسن الآلام و قبحها على
أقوال: فذهبت الثنوية إلى قبحها مطلقا و ذهبت المجبّرة إلى حسن جميعها من محدثها.