إفسادها بآثارها المنافية جميع أفراده،
فلا محالة لا يفوز بالسعادة المطلوبة منه إلاّ بعض أفراده، و لا ينجح في سلوكه نحو
الكمال إلاّ شطر من مصاديقه لا جميعها.
و ليست هذه الخصيصة يختص بها الإنسان بل
جميع الأنواع المتعلقة الوجود بالمادّة الموجودة في هذه النشأة كأنواع الحيوان و
النبات و جميع التركيبات المعدنية و غيرها كذلك، فشيء من هذه الأنواع الموجودة لا
يخلو عن غاية نوعية هي كمال وجوده، و هي مع ذلك لا تنال الكمال إلاّ بنوعيته. و
أمّا الأفراد و الأشخاص فكثير منها تبطل دون البلوغ إلى الكمال، و تفسد في طريق
الاستكمال بعمل العلل و الأسباب المخالفة لأنّها محفوفة بها و لا بدّ لها من العمل
فيها جريا على مقتضى علّيتها و سببيتها.
و لو فرض شيء من هذه الأنواع غير متأثّر
من شيء من العوامل المخالفة كالنبات مثلا غير متأثر من حرارة و برودة و نور و ظلمة
و رطوبة و يبوسة و السمومات و المواد الأرضية المنافية لتركيبه، كان في هذا الفرض
إبطال تركيبه الخاص أوّلا، و إبطال العلل و الأسباب ثانيا، و فيه إبطال نظام
الكون.
و لا ضير في بطلان مساعي بعض الأفراد أو
التركيبات إذا أدّى ذلك إلى فوز بعض آخر بالكمال و الغاية الشريفة المقصودة التي
هي كمال النوع و غايته، فإنّ الخلقة المادية لا تسع أزيد من ذلك.
فالعلّة الموجبة لوجود النوع الإنساني
لا تريد بفعلها إلاّ الإنسان الكامل السائر إلى أوج السعادة في دنياه و آخرته،
إلاّ أنّ الإنسان لا يوجد إلاّ بتركيب مادّي، و هذا التركيب لا يوجد إلاّ إذا وقع
تحت هذا النظام المادّي المنبسط على هذه الأجزاء الموجودة في العالم المرتبط بعضها
ببعض المتفاعلة فيما بينها جميعا بتأثيراتها و تأثّراتها المختلفة، و لازم ذلك
سقوط بعض أفراد الإنسان دون الوصول إلى كمال الإنسانية، فعلّة وجود الإنسان تريد
السعادة الإنسانية، أوّلا و بالذات،