و حكمته و هذا من أصول مذهب العدلية و
مميزاته. و كان واصل بن عطاء يقول:
«إنّ الباري تعالى عدل حكيم و لا يجوز
أن يريد من العباد خلاف ما يأمر، و يحتم عليهم شيئا ثمّ يجازيهم عليه» 1. و قد
عرفت أنّ مشايخهم يعترفون بأنّهم أخذوا التوحيد و العدل من الإمام علي عليه
السّلام و هو حقّ، لكنّهم تطرّفوا في تقرير بعض مسائل العدل عن سويّ الطريق، كما
قرّروا الاختيار من طريق التفويض.
قال السيد المرتضى: «اعلم أنّ أصول
التوحيد و العدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي عليه السّلام و خطبه و أنّها
تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه، و لا غاية وراءه، و من تأمل المأثور في ذلك من
كلامه علم أنّ جميع ما أسهب المتكلّمون من بعد في تصنيفه و جمعه إنّما هو تفصيل
لتلك الجمل و شرح لتلك الأصول.
و روي عن الأئمّة من أبنائه عليهم
السّلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، و من أحبّ الوقوف عليه و طلبه من مظانّه
أصاب منه الكثير الغزير الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة، و نتائج للعقول
العقيمة.
و أحد من تظاهر من المتقدمين بالقول
بالعدل الحسن بن أبي الحسن البصري، فمن تصريحه بالعدل ما روي عن أبي الجعد قال:
سمعت الحسن يقول:
من زعم أنّ المعاصي من اللّه جاء يوم
القيامة مسودّا وجهه ثمّ تلا وَ يَوْمَ اَلْقِيٰامَةِ تَرَى اَلَّذِينَ
كَذَبُوا عَلَى اَللّٰهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ » . 2
و بما أنّ مسألة الاختيار تكون مبدأ
للتكليف و ما يتعلّق به من بعث الرسل و إنزال الكتب و الوعد و الوعيد، و الأمر
بالمعروف و النهي عن المنكر، و الثواب و العقاب فهي في الحقيقة من أصول العقائد و
قواعد الكلام، فالأولى أن نكتفي هنا بهذا الإجمال و نعقد للبحث عنها و استيفاء
الكلام فيها بابا برأسه.
[1] الملل و النحل للشهرستاني، ج 1، ص
47، دار المعرفة.
[2] الأمالي للسيد المرتضى، ج 1، ص 106،
مكتبة المرعشي.