من الفرق الكلامية التي ظهرت في أوائل
هذه الدورة: «القدرية» لغرض الدفاع عن العدل الإلهي و حرّية الإنسان في أفعاله،
فمن رؤسائها غيلان الدمشقي (المتوفّى عام 112 ه) و قال-فيما دافع عن عقيدته عند
عمر بن عبد العزيز-: «يا عمر: هل رأيت حكيما يأمر بعمل ثمّ يؤاخذ الفاعل عليه و
يعاقبه، هل رأيت عادلا يدعو إلى الظلم و القبيح؟» . 1
و قد ظهرت في هذه الدورة أيضا فرقة
المعتزلة و هم في الحقيقة اخلاف القدرية، و قد استدلّ رئيسهم واصل بن عطاء الغزال
(المتوفّى عام 131 ه) على حرية الإنسان بقوله: «إنّ الباري تعالى حكيم عادل لا
يجوز أن يضاف إليه شرّ و لا ظلم، و لا يجوز أن يريد من العباد خلاف ما يأمر و
يحتّم عليهم شيئا ثمّ يجازيهم عليه» . 2
و هذه الدلائل-كما ترى-مبتنية على مسألة
الحسن و القبح العقليّين. و ممّا يدلّ على أنّ المسألة كانت مطروحة في علم الكلام
آنذاك، ما حكاه الشهرستاني عن الثوبانية-فرقة من المرجئة أتباع أبي ثوبان
المرجئ-في حقيقة الإيمان، حيث جعلوا ما لا يجوز فعله عند العقل من متعلقات
الإيمان» . 3
و حكي أيضا عن جهم بن صفوان (المتوفّى
عام 128 ه) أنّه وافق المعتزلة في القول بإيجاب المعارف بالعقل قبل ورود السمع» .
4
و في فترات متلاحقة من مذهب الاعتزال
اشتدّت عناية مشايخ الاعتزال إلى