فيما أجاب به سؤال الزنديق: من أين أثبت
أنبياء و رسلا؟ فقال عليه السّلام: «انّا لمّا أثبتنا أنّ لنا خالقا صانعا متعاليا
عنّا و عن جميع ما خلق، و كان ذلك الصانع حكيما (و) لم يجز أن يشاهده خلقه و لا
يلامسهم و لا يلامسوه و لا يباشرهم و لا يباشروه، و لا يحاجّهم و لا يحاجّوه، فثبت
أنّ له سفراء في خلقه و عباده يدلّونهم على مصالحهم و منافعهم و ما به بقاؤهم و في
تركه فناؤهم، فثبت الآمرون و الناهون عن الحكيم العليم في خلقه. .» . 1
و بهذا الوجه أيضا استدلّ المتكلّمون
على حسن البعثة و وجوبها.
و قال الحمصي: «أمّا الغرض الذي يتصوّر
ثبوته في البعثة، فالغالب الظاهر فيه هو تعريف المكلّفين مصالحهم و مفاسدهم، و ذلك
لأنّه لا يمنع أن يعلم اللّه تعالى أنّ في أفعال المكلّفين ما إذا فعلوه، دعاهم
إلى الطاعة و صاروا حريصين عليها، فيجب عليه تعالى أن يعرّفهم ذلك، كما أنّ الوالد
إذا علم أنّ ولده متى فعل فعلا دعاه إلى التعلّم و التأدّب، و متى فعل فعلا آخر
دعاه إلى التخلّف و ترك التأدّب، فإنّه يجب عليه أن يعرّفه ذلك و يأمر بأحدهما و
ينهاه عن الآخر، كذلك يجب في حكمة القديم تعالى أن يعرّف المكلّفين مصالحهم و
مفاسدهم، و إنّما يمكن تعريفهم ذلك على ألسن الأنبياء عليهم السّلام، فهذا أكبر
الأغراض المتصوّرة في البعثة. 2
و لهم في بيان حسن البعثة وجوه أخر
يجمعها كلام المحقّق الطوسي في التجريد. حيث قال: «البعثة حسنة لاشتمالها على
فوائد: كمعاضدة العقل فيما يدلّ عليه، و استفادة الحكم فيما لا يدل، و إزالة الخوف،
و استفادة الحسن و القبح، و المنافع و المضارّ، و حفظ النوع الإنساني، و تكميل
أشخاصه بحسب استعداداتهم المختلفة، و تعليمهم الصنائع الخفية، و الأخلاق و
السياسات، و الإخبار بالعقاب
[1] التوحيد للصدوق، باب الردّ على
الزنادقة، الحديث الأوّل، ص 249.