ثمّ إنّ الإمام الرازي أخذ على الحكماء
في البحث عن كيفية دخول الشرور في القضاء الإلهي، بأنّهم لمّا لم يقولوا بالحسن و
القبح في الأفعال، و نفوا في أفعال الواجب تعالى الغرض فإذن خوضهم في هذه المسألة
من قبيل الفضول.
و أجاب عنه صدر المتألهين بأنّهم ما
نفوا الغاية و الغرض عن شيء من أفعاله مطلقا بل إنّما نفوا في فعله المطلق و في
فعله الأوّل غرضا زائدا على ذاته تعالى، و أمّا ثواني الأفعال و الأفعال المخصوصة
و المقيّدة فأثبتوا لكلّ منها غاية مخصوصة، كيف؟ و كتبهم مشحونة بالبحث عن غايات
الموجودات و منافعها» . 1
2. استحالة التكليف بما لا يطاق
مذهب العدلية استحالة التكليف بما لا
يطاق لأنّه ينافي العدل و الحكمة، أمّا الأوّل فلأنّ المكلّف عاجز عن امتثال
التكليف و تكليف العاجز و مؤاخذته عليه ينافي العدل في التشريع، و أمّا الثاني
فلأنّ الغرض من التكاليف يمتنع حصوله عن العاجز، فيصبح التكليف سفها و عبثا، قال
العلاّمة الحلّي: «إنّ اللّه تعالى يستحيل عليه من حيث الحكمة أن يكلّف العبد ما
لا قدرة له و لا طاقة له به، و أن يطلب منه فعل ما يعجز عنه و يمتنع منه، فلا يجوز
له أن يكلّف الزمن الطيران إلى السماء، و لا الجمع بين الضدين» -إلى أن قال: -و
قال اللّه تعالى: وَ مٰا رَبُّكَ بِظَلاّٰمٍ لِلْعَبِيدِ ، وَ
لاٰ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ، «و الظلم هو إضرار غير المستحق، و أيّ إضرار
أعظم من هذا، مع أنّه غير مستحق» . 2
ربّما يقال: «إنّ في أفعاله تعالى حكما
و مصالح لا تحصى، و لا ينحصر