و الجواب: أنّ الأولى و الأصلح لا
يستلزم الاستكمال، فإنّ معنى الأولويّة كون الفعل أليق بحال فاعله باعتبار ماله من
الصفات، فالأليق بحال الفاعل الحكيم أن لا يكون فعله خاليا عن الغرض و الغاية. و
أمّا حديث الاستكمال فهو ناشئ عن حاجة الفاعل و نقصانه و هذا منتف في حقّه تعالى،
و إلى هذا أشار المحقّق التفتازاني بقوله-بعد نقل كلام المواقف-: «ورد بمنع
الضرورة، بل يكفي مجرّد كونه أصلح للغير» . 1
و النقض بخلود أهل النار ليس في محلّه،
إذ لا ريب في أنّ ذلك ينفع غيرهم في ترك الكفر و الاستكبار كما أنّ العقاب مطلقا
يدعو إلى الانتباه عن الغفلة و الرجوع إلى الحقّ هذا في الدنيا و أمّا في الآخرة
فليس لنا علم محيط بها حتى ننفي الغاية، و عدم العلم لا يصلح نقضا للعلم بالضرورة.
و هنا إشكال آخر ذكره في المواقف و هو
أنّ غرض الفعل خارج عنه يحصل تبعا له و بتوسّطه، و هو تعالى فاعل لجميع الأشياء
ابتداء، فلا يكون شيء من الكائنات إلاّ فعلا له، لا غرضا لفعل آخر لا يحصل إلاّ به
ليصلح غرضا لذلك الفعل، و ليس جعل البعض غرضا أولى من البعض» . 2
و يرده أنّ كون جميع الأشياء صادرا منه
تعالى ابتداء و بلا توسط شيء آخر- على فرض صحته و ليس كذلك-لا ينافي كون بعض
الأشياء غاية لبعض آخر، و هذا ما نشاهده في الظواهر الكونية بوضوح، فنرى أنّ
الغاية من اللبن في ثدي الأم ارتضاع الولد، و أنّ الحيوان ينتفع بالنبات، و
الإنسان ينتفع بالجميع و كم له من نظير.
[1] شرح المقاصد، ج 4، ص 302، منشورات
الشريف الرضي.