فالحكيم بمعنى العليم، قال الغزالي: و
قد دللنا على أنّه لا يعرف اللّه إلاّ اللّه، فيلزم أن يكون الحكيم الحق هو اللّه،
لأنّه يعلم أصل الأشياء، و هو أصل العلوم، و هو علمه الأزلي الدائم الذي لا يتصور
زواله المطابق للعلوم مطابقة لا يتطرّق إليه خفاء و لا شبهة.
و الثالث: الحكمة عبارة عن كونه مقدّسا
عن فعل ما لا ينبغي قال تعالى:
أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّمٰا
خَلَقْنٰاكُمْ عَبَثاً و قال: مٰا خَلَقْنَا اَلسَّمٰاءَ وَ
اَلْأَرْضَ وَ مٰا بَيْنَهُمٰا بٰاطِلاً . 1
و قال العلاّمة الحلّي: «الحكمة قد يعنى
بها معرفة الأشياء، و قد يراد بها صدور الشيء على الوجه الأكمل، و عرفان أكمل من
عرفانه تعالى فهو حكيم بالمعنى الأوّل، و أيضا أفعاله تعالى في غاية الاحكام و
الاتقان و نهاية الكمال فهو حكيم بالمعنى الثاني أيضا» . 2
و قال صدر المتألّهين: «إنّ الحكمة هي
أفضل علم بالمعلومات و أحكم فعل في المصنوعات، و واجب الوجود يعلم من ذاته كل شيء
من الأشياء بعلله و أسبابه، و يفعل النظام الأتم لغاية حقيقية يلزمه، فهو بهذا
المعنى حكيم في علمه فحكم في صنعه و فعله، فهو الحكيم المطلق» . 3
هذا معنى الحكمة في الاصطلاح العام، و
أمّا معناها في الاصطلاح الخاص، فهو تنزّه الفعل عن العبث و كونه لغاية معقولة، و
هذا في الحقيقة من مصاديق المعنى الثالث-حسب ما ذكره الرازي-كما لا يخفى.
فتبيّن أنّ الحكمة إن أريد بها الأعمّ
من كونها وصفا للعلم و الفعل كانت أعم من العدل، و أمّا إن أريد بها وصفا للفعل
كانت مساوقة له و ملازمة معه، فإنّ إتقان الفعل و التنزّه عن فعل ما لا ينبغي من
وضع الشيء في موضعه الذي يليق به.