نعلم أنّ علم الكلام باحث عن اللّه
تعالى ذاته، صفاته و أفعاله، و مسألة الحسن و القبح تتعلّق بأفعاله سبحانه، و يعني
بها أنّ أفعاله سبحانه في مجالي التكوين و التشريع تبتنى على أساس العدل و الحكمة
و لها غايات عقلانية، و منزّهة عن اللّغو و العبث و السفاهة، و قد كشف عن غايات
أفعاله بالعقل و الفطرة أوّلا، و سفرائه و رسله إلى الخلق ثانيا، فهناك للّه على
الناس حجّتان: باطنية و ظاهرية، قال الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام:
«إنّ للّه على الناس حجّتين: حجّة
ظاهرة، و حجّة باطنة، أمّا الظاهرة فالرسل و الأنبياء و الأئمّة عليهم السّلام، و
أمّا الباطنة فالعقول» . 1
و بعبارة أخرى، إنّ هاهنا مقامين: مقام
الثبوت، و مقام الإثبات، ففي مقام الثبوت نحكم بأنّ جميع أفعاله سبحانه حكمية و
غائية، و في مقام الإثبات نقول:
إنّ العقل يسعه أن يدرك وجه الحكمة في
بعض أفعاله تعالى و يصل إلى بعض الغايات و الأهداف الحكيمة فيها، و ذلك على ضوء ما
أعطاه اللّه تعالى من الاقتدار على معرفة حسن بعض الأفعال الصادرة عن كلّ فاعل
حكيم، و قبح بعض آخر، من دون استعانة بإرشاد من الشرع، بل أحكام العقل هذه تكون
مبدأ لإثبات الشريعة، هذا.
[1] الكافي، الأصول، ج 1، كتاب العقل و
الجهل، الحديث 12.