«و من هنا يظهر أنّ العدل يساوق الحسن و
يلازمه، إذ لا نعني بالحسن إلاّ ما طبعه أن تميل إليه النفس و تنجذب نحوه، و إقرار
الشيء في موضعه الذي ينبغي أن يقرّ عليه من حيث هو كذلك ممّا يميل إليه الإنسان و
يعترف بحسنه، و يقدّم العذر لو خالفه إلى من يقرعه باللوم، لا يختلف في ذلك اثنان،
و إن اختلف الناس في مصاديقه كثيرا باختلاف مسالكهم في الحياة» . 1
و أصل الحكمة، الحكم و هو المنع و منه
سميت اللجام حكمة الدابة و بذلك سمّي الحكم المولوي حكما، لما أنّ الأمر يمنع به
المأمور عن الإطلاق في الإرادة و العمل، و كذا الحكم بمعنى القضاء يمنع مورد
النزاع من أن يتزلزل بالمنازعة، و كذا الحكم بمعنى التصديق يمنع القضية من تطرّق
الشك إليه. و أحكم السفيه أي أخذ على يده (و منعه) أو بصّره ما هو عليه، قال جرير:
«أ بني حنيفة احكموا سفهاءكم» و أحكم الشيء أتقنه، و فلانا عن الأمر رجعه، و قد
أطلقت على العدل، و العلم و الحلم و النبوّة، و كلّ كلام موافق الحقّ، و صواب
الأمر و سداده، و وضع الشيء في موضعه. 2
و من هنا يعلم أنّ الحكمة و العدل
متلازمان مصداقا إذ كلّما وقع الشيء في الموضع المناسب له كان ذلك عدلا و منعه عن
الاستفساد فكان حكمة أو محكما.
2. العدل و الحكمة في اصطلاح المتكلّمين
العدل و الحكمة في اصطلاح المتكلّمين لا
يختلفان عن معناهما اللغوي، فهما متلازمان في المصداق و مساوقان للحسن يقول عبد
الجبار المعتزلي: «نحن إذا وصفنا القديم تعالى بأنّه عدل حكيم، فالمراد به أنّه لا
يفعل القبيح، أو لا يختاره