و هاهنا اصطلاح آخر، و هو أنّ الحكم
الشرعي ما لا يستقل العقل بإدراك حسنه أو قبحه، كوجوب صوم آخر رمضان و حرمة صوم
أوّل شوّال، و الحكم العقلي ما يستقل العقل بذلك، كوجوب ردّ الوديعة، و حفظ
الأمانة، و حرمة الظلم و الكذب، و هذا الاصطلاح هو الرائج في المفاوضات الكلامية،
و على هذا ينقسم التكليف إلى عقلي و شرعي. 1
إذا عرفت هذا فاعلم أنّ التكاليف
الشرعية ألطاف في التكاليف العقلية، و ذلك لأنّ المكلّف بالتزامه بالعبادات
الشرعية كالصلاة و الصوم و غيرهما، كان أقرب إلى رعاية التكاليف العقلية كتحصيل
المعرفة، و رعاية الحقوق، و الالتزام بالعدل، و الاجتناب عن الجور و العدوان و
غيرها. و بمقتضى وجوب اللطف عليه سبحانه، يكون التكليف الشرعي واجبا عليه. 2
2. وجوب بعثة الأنبياء
تقرير كون بعثة الأنبياء لطفا بوجهين:
أحدهما: أنّهم يبلّغون التكاليف الإلهية إلى الناس، و قد عرفت أنّ التكاليف
الدينية ألطاف، فما يتوقف عليه اللطف كذلك، و إلى هذا أشار الحكيم الطوسي بقوله:
«و هي (البعثة) واجبة لاشتمالها على اللطف في التكاليف العقلية» . 3
و الثاني: أنّ لهم تأثيرا بالغا و دورا
كبيرا في تعليم الناس و تزكيتهم، و إقامة العدل و القسط في المجتمع البشري، و هي
غايات إلهية كبيرة، فوجود الأنبياء سبب عظيم لتزلّف الناس إلى المقاصد الإلهية و
تجنّبهم عن العصيان و الخذلان. و إلى هذا