يلاحظ عليه أوّلا: أنّ الذي يحصل بسبب
اللطف من الداعي لا يبلغ إلى حدّ الإلجاء كما تعرفت على ذلك عند البحث عن شروط
اللطف.
و ثانيا: أنّ قدرته تعالى و إن كانت
عامّة لكلّ ممكن، و الداعي أيضا يتحقّق بقدرته سبحانه إلاّ أنّ مشيئته تعالى
الحكيمة اقتضت وجود كلّ شيء عن سبب يناسب ذلك، و من هنا بعث أنبياءه و رسله لتبليغ
أحكامه إلى الناس، و إن أمكن إبلاغها بلا توسّط نبيّ و لا رسول. فما ذكره الرازي
نشأ ممّا تبنّاه الأشاعرة في مجال التوحيد في الخلق و التدبير من نفي التأثير عن
كلّ سبب و فاعل مطلقا و جعله تعالى فاعلا و سببا لكلّ فعل و ظاهرة كونية مباشرة، و
هو ينافي العقل و الشرع كما قرّر في مباحث التوحيد.
ابن المعتمر و مناقشته في اللطف
بشر بن المعتمر من أعلام المعتزلة و هو
الذي أسّس مدرسة الاعتزال في بغداد، و قد تفرّد عن أصحابه بمسائل، منها مسألة
اللطف، و حاصل كلامه أنّ اللطف و الأصلح ليس له حدّ و لا غاية ينتهي إليها، بل له
مصاديق غير المتناهية، فهناك من اللطف ما لو فعله سبحانه لآمن جميع من في الأرض، و
لكن ليس بواجب ذلك على اللّه، و إنّما الواجب عليه تمكين العباد بالقدرة و
الاستطاعة بعد إبلاغ الأحكام إليهم، و على هذا نستكشف من وجود الكفّار و العصاة
عدم وجوب اللطف عليه سبحانه. 1
يلاحظ عليه: أنّ اللطف-كما تقدّم-مشروط
بعدم بلوغه إلى حدّ الإلجاء، و هذا الشرط يوجب حصره و تناهيه، و إن أمكن فرض ألطاف
غير متناهية، فنقول:
يجب على اللّه تعالى بمقتضى حكمته وجوده
أن يفعل اللطف في حقّ العباد، و إذ ليس شأنه إلاّ إيجاد الداعي في وعاء الاختيار،
فوجود الكفّار و العصاة لا يكشف
[1] شرح الأصول الخمسة، ص 520، الملل و
النحل للشهرستاني، ج 1، ص 65.