المعنى و
إنما هو ايجاد المعنى باللفظ، فماهية الكتاب مثلا إذا أريد تفهيمها للطرف المقابل
فتارة تفهّم من خلال إحضار نفس الكتاب و الإشارة إليه، و هذا تفهيم الشيء باحضاره
بنفسه، و أخرى تفهّم من خلال اللفظ، فيقال: كتاب، فإنه بقولنا: كتاب، نكون قد أحضرنا
المعنى و أوجدناه، فالاستعمال إذن ايجاد المعنى باللفظ.
و
يبقى كيف صار لفظ الكتاب هو الموجد لمعنى الكتاب دون غيره من الألفاظ و دون بقية
الأشياء غير الألفاظ؟ أنه لا بدّ من وجود نكتة معينة هي التي اقتضت ذلك، و ما هي
تلك النكتة؟
إن
النكتة هي أن لفظ الكتاب قد اعتبره الواضع وجها و مرآة و عنوانا لذات الكتاب، بل
أكثر من ذلك، أنه اعتبره عين ذات الكتاب و نفسها، و لذلك نلاحظ أن قبح المعاني
يسري إلى الألفاظ، فإنه إذا لم يعتبر اللفظ نفس المعنى لما سرى قبح أحدهما إلى
الآخر.
و
ينبغي الالتفات إلى أن اللفظ حينما يعتبر وجها و عنوانا للمعنى فلازمه أن اللفظ في
مقام الاستعمال يلحظ فانيا في المعنى- أي يكون الملحوظ استقلالا هو المعنى، و أما
اللفظ فيكون مغفولا عنه و غير ملحوظ بنحو الاستقلال بل بالتبع- فإن ذلك هو لازم
كون الشيء وجها و مرآة للشيء الآخر، كما هو الحال في المرآة، فإن لازم كونها
مرآة أن يكون الملحوظ استقلالا حين النظر إليها هو الصورة المنعكسة فيها دون نفس
المرآة، بل هي مغفول عنها، و لذلك لا يلتفت الناظر إلى طولها و عرضها و سائر
صفاتها حينما ينظر إلى صورته فيها.
و
ملخّص المقدمة المذكورة أن الاستعمال عبارة عن ايجاد المعنى باللفظ، و ذلك لا يتم
إلّا بجعل اللفظ وجها للمعنى بل نفسه، و يترتب