و لم يكتف
بهذا حتى أكد الأمر ثانية بقوله تعالى: وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ[1].
ان
هذا التأكيد في الموارد المهمّة وجيه، كما لو قيل: سر سيرا معتدلا لئلا يكون لغيرك
حجة عليك، سر معتدلا فان الاعتدال حقّ مطلوب للجميع، سر معتدلا فان الجميع يرغب في
الاعتدال.
و
التكرار في مقامنا من هذا القبيل و كأنه قيل: توجّه و توجّهوا إلى شطر المسجد
الحرام لعلم أهل الكتاب بان هذا التغيير حق و لا بدّ من وقوعه، و توجّه إلى شطر
المسجد الحرام فانه توجّه حق في نفسه، و توجّه و توجّهوا إلى شطر المسجد الحرام
حتى لا يكون لليهود عليكم حجّة.
و
يستفاد من الآية الكريمة ان القبلة التي يجب التوجّه إليها في الصلاة و غيرها هي
شطر المسجد الحرام، أي ان المستفاد حكمان: وجوب التوجّه إلى القبلة أثناء الصلاة،
و ان القبلة هي شطر المسجد الحرام.
و
في المراد من الشطر احتمالان:
أ-
ان يراد به الجزء، أي ولّ وجهك إلى جزء المسجد الحرام، و هو الكعبة الشريفة.
ب-
ان يراد به السمت و الجانب، اي ولّ وجهك إلى جانب المسجد الحرام و سمته.