إنّا إنما نقول على هذا الأصل في مواضع الاشتباه لورود
الروايات والخلاف المعتدّ به من الفقهاء. ولولا قيام الإجماع وقضاء السيرة لقلنا
بلزوم ذلك بمجرد الاحتمالات العقلية، ولا نصغي إلى قول من يوجب الاحتياط بمجرد
قيام الاحتمال، وأن العبادات مبينة بالإجماع على نفي الزائد، لأن صاحب هذا القول
لو عثر على دليل يفيده إيجاب شيء آخر لا يعدّه مخالفاً للإجماع. نعم السند
والتمسك هو الإجماع العام المتقدم المؤيد بلزوم الحرج والضيق، ومنافاة السهولة في
الملّة إن أوجبنا سائر المحتملات أو سقوط التكليف. وفي المقام كلام لا يوقف له على
ساحل وفي القليل كفاية والله الموفق.
جواب
السيّد محسن الأعرجي (رحمة الله)
ولما عرض هذا الجواب على
سيدنا المحسن كتب عليه ما نصّه: (قال الشيخ (سلّمه الله تعالى) إن العلماء على عدم
جواز التعويل على الأصول إلا بعد إمعان النظر في الأدلة).
أقول: ليس فيما صرنا
إليه ما يوجب الاعتماد على الأصل قبل الفحص. كيف ومحل البحث إنما هو حيث لا يقوم
دليل على الشرطية والجزئية و المانعية بعد بذل الجهد واستفراغ الوسع وبالجملة حيث
يسوغ للفقيه أن يحكم. فأثبت الشيخ بمجرد الاحتمال لقول الفقيه ونحوه مما ليس بدليل،
ونفينا نحن عملًا بأصل البراءة وأصل العدم، وكيف لا ننفي ما لو كان له أثر لظهور
بل تواتر لعموم البلوى وتوفّر الدواعي وترادف الأنظار وتلاحق الأفكار واستمرار
العلماء في جميع الأعصار على التنقير والتفتيش والفحص. وأما التكليف بالمجمل فإن
دلّ على وجوب الجزء المحتمل فإنما يدل عليه بواسطة وجوب مقدمة العلم وهو في حَيّز
المنع. فإنّا وإن قلنا بوجوب المقدمة فقد نتوقف في إيجاب هذا القسم، وذلك إن أقصى
ما استنهضناه هناك الوجوب. هو إنّا نعقل من حال من أمر بشيء الأمر بجميع ما يتوقف
عليه ذلك الشيء. ورجعنا في ذلك إلى العُرف، ولما رجعنا في مقدمة العلم إلى حال
الشارع في التكاليف لم نقطع بأنه مما يوجب في الأمر الإتيان بكل ما وقع فيه
الاشتباه ولا في النهي تركه، بل نجيز أن يقنع منّا بأحد الأمرين، فإنا نفرق بين
الشاهد والغائب من حيث أن المصلحة في الشاهد تعود إليه بخلاف الغائب فإنها تعود
إلى المأمور فلا يبعد أن يقنع منه عند الاشتباه بالتكليف بأحد الأمرين ولا أقل من
الجواز. وحينئذٍ فنمنع وجوب ما وقع فيه الاشتباه متعلقين بأصل البراءة، وهذا بخلاف
ما إذا كان المكلّف به معلوماً ثم عرض الاشتباه ولا يتم إلا بالضميمة كما في غسل
الوجه واليدين ومسح الرأس والرجلين وستر العورة