و من هذا يتقرر أن الله سبحانه تعالى أقام
الذهب و الفضة
أثماناً بأصل الخلقة، أي أنه خلقها و جعلها أثماناً للأشياء، فلا
يملك
الإنسان أن يبطل ثمنية ما أقامه الله ثمناً. أما لما ذا خص الذهب
و الفضة بالثمنية دون غيرهما؟ فالإجابة أن الشارع الحكيم هو أدرى
بمصالح الناس في أحوالهم و معايشهم و معاملاتهم، و يكفي هذا
الاقتناع
المؤمن دون إطالة الجدل بشأن علل اجتهادية قد تقصر عن الوصول إلى
درجة الاقتناع و الإقناع.
إن الذهب و الفضة بوصفهما نقدان دون سواهما أمر له
سند شرعي و اقتصادي و تاريخي، فمن حيث الناحية الشرعية
فإن أحكام الشريعة كلها متعلقة بالنقدين الذهب و الفضة و من
الناحية الاقتصادية فإن علماء الاقتصاد يعدّون الذهب و الفضة أكثر
المعادن
ثباتاً للقيمة.
و أما من الناحية التاريخية، فإن الإسلام أقر التعامل بالذهب و
الفضة، و إن أباح استعمال غيرهما كوسيط عام للتبادل، فاستعمال الخبز أو الجلود
كوسيط للتبادل لا يعده الإسلام نقداً و له حكم النقدين. فكون الذهب و الفضة وحدهما
نقداً لا يعني أنه لا يجوز التبادل بغيرهما. فموضوع النقد غير موضوع التبادل[1]
[1] النبهاني. تقي الدين، النظام الاقتصادي في
الإسلام، الطبعة الثالثة، 1372 ه- 1953 م، ص 218.
أيضاً: الخالدي. محمود، الأصول
الفكرية للثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى، دار الفكر، عمان، 1404 ه- 1984 م، 3/
247