ينجذب اذا جذبه و يحتبس اذا رفع فمه، و لولاه لم يتغذّ بمأكول و
لا مشروب للطافة بدنه و ضعف هاضمته، و اودع محبّته فى قلب أمّه فتحمّلت سهر اللّيل
و ثقل الحمل و كلفة التّطهير و الغسل.
ثمّ لمّا كملت قوّته و عظمت الى ما غلظ من الماكل حاجته خلق له اسنانا
يقتدر بها على طحن المأكول و جعلها على مبدأ الدّخول، و ألهمه الفكر الصحيح و
علّمه المنطق الفصيح ليتعرّض لتحصيل مطالبه و اكتساب مآربه، و حبّبه الى ابيه
لاحتياجه حينئذ إليه، حيث لا معوّل له بعد اللّه الّا عليه، حتّى اذا بلغ الكمال و
ملة اهاليه من تربيته فى تلك الحال، اودعه قوّة يقتدر بها على المعاش و اقتناء
اللباس و الغطاء و الفراش، بعد ان شقّ له سمعا قسّمه على الجانبين، و حرسه من لطفه
بحواطتين تحرسانه عن وصول ما يفسده[1] من القذرات،
و حصنه[2] بمرى[3] الوسخ عن بلوغ موذيات الحيوانات، و
بصرا فى محلّ مكشوف ليتمكّن من الابصار، و سوّره بجفنين يحفظانه من المضارّ، و جعل
له امعاء، و شهوة الغذاء، و مجرى الشّراب و الطّعام و الهواء، و اودعه قوّة جاذبة
ترسل ذلك الى ماسكة مصحوبة بهاضمة مناولة لدافعة، و خلق له مدخلا و مخرجا، و يدا
للبطش، و رجلا للمشى، و آلة و أمناء و رحما يحفظ تلك النطفة الى حيث يشاء، فتبارك
اللّه الّذي خلق الاشياء بلا مثال، و اقام الخلائق على احسن اعتدال.