فلو تأمّلت فى نفسك الّتي بين جنبيك، و تفكرت بجسمك الّذي هو
محطّ عينيك، فضلا عن أن توجّه حواسّ الإدراك إلى عجيب صنع الأفلاك، و ما احاطت به
الأرضون و السموات من عجائب المخلوقات من الملائكة المقرّبين، و ضروب الجن و
الشياطين، لأنبأك هذا النظام المستقيم الجارى على النّهج القويم انّ هناك موجدا لا
يعارض و حاكما لا يناقض، عالما بحقايق الاشياء قديرا على ما يشاء، و لو دخله الجهل
او العجز فسد النظام و لم يحصل للصنع ذلك الاحكام، و علومه الذّاتيّة نسبتها الى
المعلومات بالسّويّة، و قدرته عامّة لجميع المقدورات، لانّها ثابتة بمقتضى الذّات،
و العلم و القدرة برهانان على حياة الجبّار.
و جرى الافعال على وفق المصالح أبين شاهد على انّه فاعل مختار، قديم
ازلى لم يسبق بعدم اصلى، و الّا لم يكن قادرا بل مقدورا عليه.
و مع انّ مقتضى الذّات لا يجوز الاختلاف بالنسبة إليه، ابدىّ سرمدىّ
إذ مقتضى القدم عدم امكان العدم، و قد تقرّر فى العقول انّ معلول الذات لا يحول و
لا يزول.
و لا يمكن استناده الى العلل الخارجات، لانّ ذلك ملزوم لحدوث الذات،
مريد للحسن، كاره للقبح لاستغنائه عنهما مع علمه بالجهتين اللتين نشأ الوصفان
منهما مدرك للمدركات لانكشافها لديه، و لانّ الادراك علم خاص دلّ صريح الكتاب و
السّنة عليه متكلّم لحسن صدور الكلام منه، و شهادة اعجاز القرآن بصدوره عنه صادق