فأمنوهم ودخلوا البلد وحكموا بها على ما
يريدون، حتى توجّه الشريف إليهم من جدّه مع عسكر سلطاني قائده والي جدّة شريف
باشا، فدخلوا مكة وانهزم الوهابيون، والحاصل أنهم لم يزالوا أياماً وأعواماً على
هذا يغلبون غالب ويغلبهم، وقد هدموا أكثر القبب التي على قبور الأولياء والأنبياء
لما يرون أنّه بدعة، وحرموا التنباك، وجعلوا يقتلون من يستعمله، وكانت الدولة
العثمانية في ارتباك كثير وشدّة القتال مع النصارى، وفي اختلاف من خلع السلاطين
وقتلهم إلى أن صدر الأمر السلطاني من ابن عبدالحميد الأول محمود الثاني، الى محمد
علي باشا والي مصر، فبعث ابنه طوسون مع جيش من العسكر وكان هو مشغولا بقتل
المماليك، وهي طائفة من عسكر مصره تمردوا، ثمَّ توجّه محمدعلي بنفسه مع عساكر
بتمام القوة والاستعداد، وكان معهم ثمانية عشر مدفعاً وثلاث قنابر، فاستولى على ما
كان بيد الوهّابيّة وأخذوا الصفر أو الجديدة بالمخادعة ومصانعة العرب ببذل
الدراهم، وكان هذا بتدبير الشريف غالب، وهو في الظاهر تحت حكم الوهابيّة، فلم يزل
الباشا يقبض على واحد بعد واحد من أمراء الوهابي وأعيانه الذين نصبهم وكلاء عنه في
البلاد، ويبعث بهم إلى قسطنطنية فيصلبون هناك، وفي أثناء تلك الحروب مات محمد بن
عبدالوهاب حتف أنفه سنة ومائتين وخمس[1]،
وعمره خمسه وتسعون، فقام بالأمر بعده سعود أو ابنه محمد واستمر على حاله من
المحاربة والدعوة إلى ذلك المذهب حتى توجّه محمدعلي باشا إليه فجلاه عن الحرمين
بعد أن انتهب ما فيهما من الخزائن ونفائس الجواهر، ثم تحصن بمسقط رأسه الدّرعيّة،
وبعد أن أمّن محمدعلي باشا الحرمين وجلا ذلك الخبيث وأحزابه عنهما أبقى هنالك عدّة
من العسكر ورجع إلى مصر، ثم بعث ابنه إبراهيم باشا لقتال عبدالله ابن سعود ومن
تحصّن من