وأما انه موجب لهتك الحرمة فنجيبك ان حادثة الطف في ما اشتملت عليه من قتل الرجال والأطفال وسبي ربات الحجال ليس فيها لو عقلت ما يوجب الهتك بل كلها بفضل الله مفاخر ومآثر اعترف بها المعادي قبل الموالي حتى قال فيهم مصعب بن الزبير:

ولو كان تمثيل وقائع الظلم والأضطهاد واظهارها هتكاً لحرمة المظلومين والمضطهدين لما هتك الله انبيائه ورسله وهم أعز الخلق لديه بإظهار ما كابدوه من مصائب القتل والأمتهان في آيات منزلات تتلى بكرة وعشية على رؤس الاشهاد واذاً لحذفت كل امة من تأريخها ما منيت به من أدوار الظلم و الاعتساف لتسلط امة غاشمة أو ملك جائر عليها ان كثيراً من وقائعها قد اشتملت على أفضع أمثلة الجور من قتل النساء وبقر بطونهم بل هتك الأعراض والأخلال بالناموس فأي مؤرخ لم يذكر مثلًا فظائع (نيرون) و (جنكيز) و (تيمو) وما استباحوه في الأمم الذين تسلطوا عليها من انواع الفتك والهتك فهل احتجت امة منها على ذلك التشهير الفظيع وهل وعد تسجيل تلك الحوادث تشنيعاً بالظالمين او المظلومين او ليس أن الاباء تحدث الأبناء بما لاقوه من الأضطهاد تحريضاً لهم على اخذ الثار او تنبيهاً لهم عن الوقوع فيما وقعوا هم فيه، فعملًا بهذه القاعدة قد استفاضت الأوامر الأكيدة في الاخبار بذكر ما جرى عليهم من لقتل والنهب والهتك والاضجار في المجامع الكبار والتفجع عليهم والبكاء بل العقل السليم يقضي بحسن اشاعة هذه الفاجعة العظمى وما جرى عليهم من المصائب والبلوى حتى لايبقى للأنكار مجال وأنت خبير بها ايها (الضالع) بفساد ما قلت وزعمت انه ليس الغرض هو تشبيه النفس بالنفس والشخص بالشخص بل هو تشبيه محض للصورة والزي واللباس لتذكار أحوالهم وللتأثر مما جرى عليهم.

ومن المعلوم عند كل متضلع بالأخبار وكلمات الفقهاء الأبرار عدم ورود اية ولا رواية ولو ضعيفة السند بحرمة شخص بشخص، لان المراد بالتشبه الممنوع منه انما هو تشبه التام بحيث لايتميز الرجل عن المرأة ولا المرأة عن الرجل بوجه لأدى ذلك إلى مفاسد عظيمة لا تحصى.

وهذه صحف الأوائل والأواخر وكتب الأخبار من الفريقين ليس فيها من منع ذلك‌