والأكثر ون لم يمتنعوا مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة في أيام الظلمة ومن أوجب ما لم يوجبه السلف الصالح وزعم أنه تفطن الشر ما لم يتفطنوا له فهو موسوس مختل العقل‌[1].

وقد ذهب البعض أن ضابط تحديد الشبهة المحصورة عن غير المحصورة هو (أن الكراهة تشتد بكثرة الحرام وتخف بكثرة الحلال فاشتباه أحد الدينارين بأخر سبب تحريم بيّن واشتباه دينار حلال بألف دينار حرام سبب حرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات مبنية على قلة الحرام وكثرته بالنسبة إلى الحلال فكلما كثر الحرام تأكدت الشبهة وكلما قل خفت الشبهة إلى أن يساوي الحلال الحرام فتستوي الشبهات)[2] ومما يلاحظ أن الإشكال هو في تحديد الحرام ونسبة الحلال أما ما تبين منهما فلا إشكال فيه كما ان تحديد الحرام ونسبة الحلال لا يعود لكثرة أحدهما على الأخر ويوضح الغزالي ذلك بقوله‌[3] (وليست العلة كثرة الحلال إذ لو قيل بذلك لزم صحة نكاح المحرمة إذا اختلطت بتسع حلائل ونحو ذلك ولا قائل به ولكن العلة هي الغلبة والحاجة معا.)

ومما يظهر يصعب تمييز الشبهة المحصورة عن غير المحصورة فإن كانت هناك ميتة ضمن ألف مذكاة في سوق واحد لا تساوي في الاحتمال وجود ميتة واحدة ضمن ذبائح مدينة بغداد وهذا الاحتمال يختلف عن العلم بوجود هذه الميتة في زمان محدد أو غير محدد كان تعلم بوجودها ه-- ذا اليوم أو أن تعلم بوجودها قبل أيام ولم تقم بينة أو ظن على استهلاكها والتخلص منها إلى زماننا الحاضر.

وقد ذهب المحقق الكركي (ت 94 ه-)[4] إلى أن العرف هو الضابط في الأمور غير المحصورة (أن طريق ضبطه أن يقال لا ريب أنه إذا أخذ مرتبة عليا من مراتب‌

[1] الغزالي المصدر السابق

[2] السلمي/ قواعد الأحكام في مصالح الأنام/ ج 1/ 85

[3] الغزالي/ أحياء علوم الدين/ ج 5/ 93 أيضا النووي/ المجموع شرح المهذب/ ج 9/ 334

[4] وهو علي بن الحسين بن عبد العالي الكركي العاملي والمشتهر بالمحقق الكركي أو المحقق الثاني له تصانيف عديدة مثل فوائد الشرائع وهو حاشية على شرائع الإسلام وشرح لقواعد العلامة وحاشية على المختصر النافع وحاشية على الإرشاد وحاشية على المختلف ورسائل عديدة في الفقه توفى سنة( 940 ه-). أنظر الخونساري/ روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات/ 390.