ومن التطبيقات التي وقع البحث فيها ما يسمّى بعقد الاستصناع:
والاستصناع هو اتفاق مع أرباب الصنائع على عمل شيء معين للمستصنع
كالثوب والسرير والباب ونحوها، ويكون العين والعمل كلاهما على الصانع، فإذا كانت
العين من المستصنع كان إجارة، وإن كان مايريده المستصنع جاهزاً بالفعل يأخذه منه
كان بيعاً وشراءً.
وهذا يعني أنّ الاستصناع يشبه بلحاظ المادة البيع والشراء، وبلحاظ
العمل المطلوب من الصانع الإجارة. ومن هنا يقع البحث عن صحته وكيفية تخريجه.
وقد اختلفت كلمات فقهاء العامة فيه، بعد اتفاق أكثر المذاهب الأربعة
على صحته، وقد جعله أكثرهم من باب بيع السلم. والأصح عند الحنفية كونه بيعاً
للمعدوم صحَّ على خلاف القاعدة، من باب تعارف الناس عليه أو من باب الاستحسان. ومن
خرّجه منهم على أساس عقد السلم اشترط فيه ما يشترط في السلم من تسليم تمام الثمن
في مجلس العقد ومن لزوم العقد وغير ذلك. ومن جعله بيعاً للمعدوم لم يشترط فيه تلك
الشروط، وكانت صفة العقد عنده عدم اللزوم، فإذا صنع الصانع الشيء كان للمستصنع
الخيار إن شاء أخذه وإن شاء تركه وفسخ العقد، لأنّه اشترى شيئاً لم يره فكان له
خيار الرؤية[1].