و الصحيح في هذه الحالة شمول الأدلّة؛
لصدق المحاربة للَّه و الرسول و الافساد في الأرض و إن لم يكن مقصوداً أصلياً
للمحارب إلّا أنّه حيث يتحقّق ذلك بفعله خارجاً و هو ملتفت إلى ذلك فقد تحقّق
الإفساد في الأرض و سلب الأمن و محاربة اللَّه و رسوله، و لا دليل على اشتراط قصد
أكثر من هذا المقدار بأن يكون ذلك مقصوده الأصلي.
و أوضح من ذلك ما إذا كانت محاربته لمن يعاديه متوقّفة على أن يحارب
النوع و يخيفهم أو كان معاداته و مقاتلته معه بطريق و اسلوب بطبعه يكون محاربة
للناس جميعاً، و إخافة لهم كما إذا اختفى عدوّه بين الناس أو أخفاه الناس فشهر
السلاح عليهم جميعاً بقصد الحصول عليه أو ضربه أو قتله في ضمن مَن يقتل فإنّ
المحاربة و الافساد صادق في هذه الموارد جزماً.
فالحاصل: أنّه كلّما حصل بالبروز للمحاربة و إعمال القوّة، إرعاب
الناس و سلب أمنهم على حياتهم أو أعراضهم أو أموالهم فهو محاربة و إفساد في الأرض
مشمول لإطلاق الآية و الروايات، سواء كان بنفسه غرض المحارب أو كان غرضه الأصلي في
شيء آخر، فيدخل في هذا العنوان جملة من الأعمال الإجرامية اليوم كخطف الطائرات أو
السطو على البنوك أو الأسواق و المحلات العامّة بالقوّة و المقاهرة أو الهجوم على
من يعاديه باسلوب يوجب ضرب أو قتل كلّ من حضر هناك ممّا يرعب تلك المنطقة و
يخيفهم، بل ما يكون من شأنه الإخافة و إن لم يخف الناس اتّفاقاً لقوّة و منعة
فيهم، فإنّ هذا و أمثاله من مصاديق محاربة اللَّه و رسوله و السعي في الأرض فساداً
بالمعنى العامّ المتقدّم شرحه، و اللَّه الهادي للصواب.
هذا آخر ما أردنا إيراده في هذه المسألة، و الحمد للَّه أوّلًا و
آخراً، و الصلاة و السلام على محمّد و آله الطيّبين الطاهرين.