و أمّا المقام الثاني: فالرواية الخاصّة في المسألة إنّما هي معتبرة إسحاق بن عمّار
المتقدّمة، و الضمير في قوله: «فأقاده» يحتمل فيه احتمالان من حيث رجوعه إلى
المجني عليه أو الجاني:
الأوّل: أن يرجع إلى قول السائل في ابتداء
كلامه: «إن رجلًا قطع» و الذي هو الجاني، فيكون المقصود من قوله: «أقاده» اقتصّ
منه و أقاده به كما يقال: أقاد القاتل بالقتيل. و المقصود من قوله: «فأخذ الآخر
...» المجني عليه لا محالة، فتكون الرواية ناظرة إلى فرض إيصال المجني عليه اذنه بعد
الاقتصاص من الجاني.
الثاني: أن يرجع الضمير إلى الرجل في قوله: «من
بعض اذن رجل شيئاً» و الذي هو المجني عليه، فيكون المقصود من قوله: «أقاده» اقتصّ
له و أقاده منه، كما يقال: استقاد الأمير فأقاده منه، و يكون الآخر الذي أخذ ما
قطع من الاذن فأوصله هو الجاني، و مورد الرواية ما إذا أوصل الجاني اذنه بعد
القصاص لا المجني عليه.
و كلمات الفقهاء في تفسير الرواية ليست واضحة، و إن كان المستظهر من
أكثرهم حملها على المعنى الأوّل، و لعلّه لظهور الضمير في الرجوع إلى موضوع كلام
السائل و محوره في قوله: «إن رجلًا قطع من بعض اذن رجل شيئاً». و هذا الاستظهار لا
بأس به لو قرأنا الجملة الثانية: «فرفع ذلك إلى عليّ عليه السلام» مبنيّاً للمفعول
لا الفاعل، و إلّا كان فاعله ضميراً يرجع على الرجل الثاني، أي المجني عليه،
فيناسب أن يكون الضمير الذي يليه في جملة «فأقاده» أيضاً راجعاً إليه.
و على كلّ حال، لا إشكال في أنّ جواب الإمام عليه السلام في ذيل
الرواية: «إنّما يكون القصاص من أجل الشين» بيان لنكتة كلّية و قاعدة عامّة في باب
قصاص الأطراف غير مختصّة بقطع الاذن. و ظاهرها نفس ما ذكرناه في المقام السابق من
أنّ موجب القصاص و ما يكون من أجله هو العيب و النقص الحاصل بالجناية