أوّلًا: أنّ عنوان الإفساد في الأرض لم يقع في
هذه الآية موضوعاً للحكم بالقتل ليتمسّك بإطلاقه، و إنّما أخذ عدمه قيداً في موضوع
حرمة القتل و أنّ من قتل نفساً بغير إفساد منه في الأرض كأنّما قتل الناس جميعاً.
و هذا غايته الدلالة بالمفهوم على أنّ من قتل نفساً لكونه مفسداً في الأرض فليس
كمن قتل الناس جميعاً، و لكن قد تحقّق في محلّه أنّ مفهوم القيد ليس بأكثر من
السالبة الجزئية أي في الجملة، و أنّ المفسد في الأرض قد يستحقّ القتل و لو في
صورة كونه محارباً.
و إن شئت قلت: إنّ جملة «بِغَيْرِ نَفْسٍ
أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ» جاءت قيداً لموضوع القتل
المحرّم، و قصارى مفاد القيد أنّ الحكم غير ثابت لتمام موارد انتفائه و إلّا كان
ذكره و أخذه لغواً، فلا بدّ من انتفاء الحكم في الجملة و لو في بعض موارد انتفاء
القيد. و هذا ليس المفهوم المصطلح بل هو قاعدة احترازية القيود و التي لا تقتضي
أكثر من السالبة الجزئية، و من هنا لا تدلّ الآية على أكثر من انتفاء حرمة القتل
في الجملة في موارد قتل النفس بالنفس أو الإفساد في الأرض بحيث لا بدّ من استيضاح
ذلك المورد و شروطه و قيوده من الأدلّة الاخرى لا من مفهوم هذه الآية، فلعلّه
يشترط زائداً على ذلك قيد المحاربة، كما استفدناه من الآية و يأتي في الروايات
أيضاً.
لا يقال: هذا لو لم يكن هذا الحكم و هو قتل
المفسد في الأرض أمراً مركوزاً عند العقلاء بأن كان أمراً تعبّدياً محضاً، و أمّا
إذا كانت مسألة عقلائية مرتكزة فالإشارة إليها في لسان الشارع يفهم منها إمضاء ما
عليه العقلاء بحيث لو كان بناء الشارع على خلافه لوجب بيانه.
فإنّه يقال: نمنع وجود ارتكاز عقلائي
بأن كلّ مفسد في الأرض يجوز قتله و لو لم يكن قاتلًا و لا محارباً، بل لعلّ
المركوز خلافه في غير موارد الإفساد بالقتل.