ثمّ إنّه لو فرض أنّ عنوان الافساد في
الأرض كان في نفسه عاماً يشمل كلّ ما يكون، إفساداً لأوضاع الناس و المجتمع و لو
لم يكن بنحو الظلم و التعدّي على الأموال و الأنفس، بل بإفساد أخلاقهم أو توزيع
الأفيون و المخدّرات بينهم أو إيجاد الفتنة و الارجاف بينهم أو غير ذلك- خلافاً
لما استظهرناه في البحث السابق- مع ذلك قلنا في المقام حيث إنّ جملة «وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً» جعلت في الآية بياناً لكيفيّة المحاربة و الغرض منها، فلا محالة
يتقيّد معناها بالإفساد الخاصّ بقرينة المحاربة؛ لأنّ المحاربة التي تكون بقصد
الإفساد في الأرض تساوق لا محالة من يشهر السلاح للإخلال بالأمن و سلب المال أو
النفس أو نحوهما، فلا يعمّ الأنحاء الاخرى من الإفساد التي لا تناسب المحاربة و
شهر السلاح و لا تكون غاية لها عادة. و هذا يعني أنّ كلّ واحد من القيدين في الآية
المباركة يقيّد إطلاق الآخر، فكما أنّ إرادة الإفساد في الأرض يقيد إطلاق المحاربة
و يخرج منها المحاربة بنحو البغي و الخروج عن الإسلام أو طاعة الحاكم الإسلامي
كذلك المحاربة يقيد إطلاق الإفساد في الأرض- لو فرض إطلاق فيه- عن سائر أنحاء
الإفساد في المجتمع و يعيّنه في سلب الأمن و نهب المال و النفس و نحوهما؛ لأنّه
الذي يكون في المحاربة و شهر السلاح.
و المتحصّل من مجموع ذلك: أنّه لا يستفاد من هذه الآية المباركة أكثر
ممّا دلّت عليه الروايات الخاصّة- على ما سيأتي التعرّض لها في الجهة القادمة- و
أفتى به فقهاء الإسلام من اختصاص هذا الحدّ و الجزاء المذكور فيها بالمحارب
الاصطلاحي، و هو من شهر السلاح و أخاف الناس بقصد الافساد في الأرض.
النقطة الثالثة: قد يستدلّ بالآية السابقة
لهذه الآية و هي قوله تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْساً
بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ
...» ([1]) على أنّ عنوان الإفساد في
الأرض