على أنّ وجود ارتكاز كذلك لا يكفي
لاستفادة الإطلاق من القيد المذكور في الآية؛ لأنّها ليست بصدد بيان حكم المفسد و
من يجوز قتله ليحمل عرفاً على إمضاء ذلك الارتكاز بعرضه العريض، بل بصدد بيان حكم
من يحرم قتله و هو قتل نفس بغير نفس و لا إفساد في الأرض. فالحاصل الارتكازات
العرفية قد توجب ظهوراً في الدليل في إمضائها إذا كان الدليل ناظراً إلى بيان نفس
الحكم المرتكز لا حكم آخر.
و ثانياً: ما تقدّم من عدم الإطلاق أساساً في
عنوان المفسد في الأرض في نفسه لغير موارد العدوان و التجاوز على الآخرين بسلب مال
أو عرض أو نفس، و عندئذٍ يكون الظاهر من قوله تعالى: «مَنْ
قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ» من
قتل نفساً من غير أن يكون قصاصاً و لا أن يكون من جهة إفساده و تجاوزه و عدوانه
على ماله أو عرضه أو نفسه، فيكون ظاهراً في جواز قتله في قبال تجاوزه دفاعاً عن
نفسه و دفعاً لتجاوزه، و ممّا يؤيّد أنّ النظر إلى ذلك- لا إلى عقوبة المفسد في
الأرض- أنّ هذه الآية ناظرة إلى فعل المكلّفين و حرمة القتل عليهم. و جواز قتل
المفسد عقوبةً لو فرض ليس مربوطاً بعامّة المكلّفين، بل هو تكليف الحاكم و من
مسئوليات الولاة، فالآية أجنبية عن محل البحث.
الجهة الثانية فيما يستفاد من الروايات الخاصّة في موضوع هذا الحد
و نورد البحث عن ذلك في نقطتين:
الاولى: ما يستفاد منه اختصاص الحدّ المذكور بالمحارب الشاهر للسلاح.
الثانية: ما قد يستدلّ به من الروايات على تعميم الحدّ المذكور لكلّ
مفسد.
أمّا النقطة الاولى: فالروايات الواردة في
المقام عديدة: