إلّا أنّه لا ينبغي الشكّ في خروج محاربة
الكفّار لكفرهم عنها؛ لأكثر من قرينة أوضحها الاستثناء الوارد في الآية التالية: «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا
عَلَيْهِمْ» ([1]).
فإنّ ظاهرها أنّ التوبة إنّما هي من المحاربة دون الشرك فيكون قرينة
على أنّهم مسلمون يجري عليهم سائر أحكام المسلمين بمجرّد التوبة عن المحاربة قبل
الظفر بهم- كما في الحدود الإلهيّة الاخرى- و إلّا فلو كانوا كفّاراً و المحاربة
لكفرهم لاحتاج شمول الغفران لهم إلى أن يدخلوا في حصن الإسلام و لا يكفي مجرّد رفع
يدهم عن المقاتلة، بل التعبير بالتوبة بنفسه شاهد على النظر إلى المسلمين لا
الكفّار؛ فإنّ التوبة تكون من المسلم، لا من الكافر فإنّه يؤمن و يدخل في الإسلام،
و لا يعبّر عنه بالتوبة، و على كلّ حال فلا شكّ في عدم شمول الآية لمحاربة الكافر
للمسلمين لكفره، نعم لو حاربهم لأجل الإخافة و السلب و النهب كان مشمولًا للآية
باعتباره مصداقاً للمحاربة بالنحو الثالث، و إنّما المقصود أنّ المحاربة الواقعة
بين الكفّار و المسلمين من أجل الإسلام و الكفر أو من أجل إسقاط الحكم الإسلامي لا
تكون مشمولة للآية جزماً، فيدور الأمر بين النوعين الثاني و الثالث أي المحاربة مع
المسلمين بنحو البغي و التي هي محاربة مع إمام المسلمين و حاكمهم، و المحاربة بنحو
إخافة السبيل و العدوان على الأموال و النفوس و نحوهما.
و قد يقال: بأنّ ظاهر الآية أنّ موضوع
الأحكام المذكورة فيها خصوص المسلمين الذين يقومون بالسلاح في وجه الدولة، و لا
يعمّ من شهر السلاح لإخافة الناس أو أخذ أموالهم و لا من عصى اللَّه تعالى بمعاصي
كبيرة؛ لأنّ من قام بوجه الدولة التي أسّسها الرسول صلى الله عليه و آله و سلم
يكون محارباً للرسول حقيقة باعتباره هو المؤسّس و الصانع لها، و أمّا المحارب
لطائفة من المسلمين لسلب مالهم فلا يكون